أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المصادقة على اتفاق جديد لتصدير الغاز الطبيعي إلى مصر، واصفاً إياه بأنه أكبر صفقة غاز في تاريخ إسرائيل، بقيمة تصل إلى 112 مليار شيكل (حوالي 36 مليون دولار)، وبحجم توريد قد يبلغ 130 مليار متر مكعب حتى عام 2040، ويأتي الإعلان في لحظة إقليمية حساسة، وسط توتر سياسي بين القاهرة وتل أبيب، وتراجع حاد في إنتاج الغاز المصري خلال العامين الماضيين، فهل هي بداية مرحلة جديدة بين الطرفين، ولماذا تأخر توقيعها؟
مماطلة إسرائيل… حسابات داخلية وضغوط خارجية
جاءت الصفقة بعد أشهر من التعطيل الإسرائيلي، رغم أنها تمثل أحد أكبر عقود التصدير في تاريخ قطاع الطاقة الإسرائيلي، وتعد ركيزة أساسية لخطط تل أبيب لتعزيز مكانتها كقوة طاقة إقليمية.
وكانت الشركات الإسرائيلية تنتظر موافقة الحكومة لتوسعة حقل "ليفياثان" الذي يضم احتياطياً يقدر بـ 600 مليار متر مكعب، بينما كانت مصر تواجه فجوة متزايدة في إمدادات الغاز.
يرى الباحث في الشؤون الإقليمية والدولية هاني الجمل، خلال حديث لوكالة ستيب نيوز أن التأخير الإسرائيلي في إتمام الصفقة لم يكن مجرد تعثر تقني، بل ارتبط بـ"أبعاد داخلية وخارجية" تفاقمت بعد أحداث السابع من أكتوبر.
ويوضح أن الشركات الإسرائيلية العاملة في التنقيب واجهت "حالة من الإحباط" بسبب ارتباطها بعقود مستقبلية مع مصر، في وقت فرض فيه الكنيست قراراً يمنع التصدير قبل تحقيق الاكتفاء الذاتي.
ويضيف الجمل أن هذا القرار "عكس رغبة إسرائيل في ضبط الوضع الاقتصادي الداخلي"، لكنه أدى في المقابل إلى "ضغوط متزايدة على المستوطنين بسبب شح مصادر الطاقة"، خاصة مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على سلاسل الإمداد العالمية.
أما خارجياً، فيشير الجمل إلى أن إسرائيل حاولت استخدام ملف الغاز "كأداة ضغط على مصر" التي لعبت دوراً محورياً في وقف التهجير القسري للفلسطينيين، وحشد الدعم الدولي لإدانة الحرب الإسرائيلية.
ويقول "الجمل" إن تل أبيب سعت لدفع القاهرة إلى تغيير موقفها، "لكن هذه المحاولة باءت بالفشل بسبب ثبات الموقف المصري الداعم للحقوق الفلسطينية".
مصر حاولت الابتعاد عن الغاز الإسرائيلي
تراجع إنتاج الغاز المصري منذ عام 2022 دفع القاهرة إلى زيادة وارداتها من الغاز الإسرائيلي، في وقت كانت تسعى فيه للحفاظ على تشغيل محطات الإسالة التي تدر مليارات الدولارات سنوياً، ومع ذلك، اتجهت مصر إلى تنويع مصادرها عبر فتح الباب أمام شركات قطرية وروسية وإيطالية، لتقليل الاعتماد على الغاز الإسرائيلي رغم انخفاض تكلفته.
وفي ظل التوتر السياسي وتراجع الإمدادات، اتجهت القاهرة إلى تنويع مصادر الغاز، وفتحت الباب أمام شركات قطرية للتنقيب في شرق العريش، إلى جانب توقيع عقود جديدة لتعويض النقص، ورغم أن الغاز الإسرائيلي أقل تكلفة، إلا أن مصر بحسب الجمل فضّلت "ضمان أمنها الطاقوي عبر تنويع الشركاء".
صفقة عملاقة… ورسائل سياسية داخل إسرائيل
تتوقع إسرائيل أن تضخ الصفقة الجديدة إيرادات تصل إلى 58 مليار شيكل لخزينة الدولة، مع ارتفاع العائدات السنوية إلى 6 مليارات شيكل بحلول 2033، ما يجعلها إحدى أهم الصفقات الاقتصادية في تاريخ الحكومات الإسرائيلية، ويأتي الإعلان في وقت يسعى فيه نتنياهو لتعزيز موقعه السياسي داخلياً.
الصفقة الجديدة، التي تشمل تزويد مصر بما يصل إلى 130 مليار متر مكعب من الغاز حتى عام 2040، اعتبرها نتنياهو "إنجازاً اقتصادياً كبيراً" في سياق سياسي داخلي محتدم، ويرى الجمل أن الإعلان عنها يمثل "نقلة نوعية في مسيرة نتنياهو ومحاولة لإعادة تقديم نفسه داخلياً وخارجياً" في ظل الضغوط التي يواجهها.
هل ترتبط الصفقة بتفاهمات سياسية؟
رغم حجم الصفقة وأهميتها الاستراتيجية، لم تظهر أي مؤشرات على وجود تفاهمات سياسية موازية، خصوصاً أن القاهرة حافظت على موقفها تجاه الحرب على غزة، بينما تواصل العمل على جذب شركات دولية لتعزيز قطاع الطاقة المحلي.
ويؤكد الجمل أن "مصر ثابتة في مواقفها تجاه القضية الفلسطينية"، وأن سياستها الحالية تقوم على فتح المجال أمام شركات متعددة الجنسيات منها قطرية وروسية وإيطالية للعمل في حقول الغاز داخل مصر أو في مناطق إقليمية أخرى.
ويضيف أن هذه التحركات تأتي مشابهة لـ "الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي تركز على الملف الاقتصادي كقاطرة رئيسية للعلاقات بين الأطراف، تحت عنوان الاستثمار مقابل الاستقرار".

هل تكسر الصفقة الجمود بين القاهرة وتل أبيب؟
تزامن الإعلان عن الصفقة مع حديث عن وساطات أمريكية لإعادة تنشيط قنوات التواصل بين مصر وإسرائيل، في وقت شهدت العلاقات بين الجانبين فتوراً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بسبب تراكم الملفات الخلافية.
يرى الجمل أن الصفقة قد تشكل "بداية لكسر الجمود" الذي ساد العلاقات المصرية الإسرائيلية خلال الأشهر الماضية، خاصة بعد جهود الوساطة المصرية القطرية الأمريكية.
ويشير إلى حديث لايزال غير مؤكد عن قمة ثلاثية قد تجمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الأمريكي لتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي.
لكن الباحث يلفت إلى أن القاهرة ما زالت تواجه ضغوطاً أمريكية وأوروبية، وأن الرئيس السيسي "تمسك بالثوابت المصرية"، بينما "تستمر إسرائيل في تجاوز القوانين الدولية بما يتعارض مع الاستراتيجية الأمنية المصرية".
ويؤكد أن الجيش المصري تحرك مؤخراً بما يعكس "رفض أي خروقات إسرائيلية قد تؤثر على الأمن القومي المصري".
صفقة اقتصادية… في قلب معادلة سياسية معقدة
تأتي الصفقة في وقت تحاول فيه إسرائيل تعزيز صادراتها من الغاز لتصبح لاعباً محورياً في شرق المتوسط من جهة ومحالة نتنياهو تعزيز مكاسبه السياسية داخلياً، بينما تسعى مصر إلى سد فجوة الإنتاج المحلي والحفاظ على مكانتها كمركز إقليمي للطاقة.
وبين المصالح الاقتصادية والضغوط السياسية، تبدو الصفقة خطوة كبيرة لكنها تجري فوق أرضية شديدة التعقيد، حيث قد تبدو محاولة لتفتيت ضبابية العلاقات بين مصر وإسرائيل بعد أشهر من التوترات بدفع أمريكي خلف الكواليس.