بحسب تقرير نشرته صحيفة التلغراف، ولأول مرة في تاريخ الاتحاد الأوروبي، انخفض عدد المواليد فيه مقارنةً بالولايات المتحدة، على الرغم من انخفاض عدد سكانه حاليا بمقدار 110 ملايين نسمة.
ـ أوروبا تحت تهديد وجودي
وُلد 3.5 مليون طفل في أوروبا عام 2024، مقارنةً بـ 3.6 مليون طفل في الولايات المتحدة.
وقد انخفض معدل الخصوبة بسرعة خلال العقد الماضي، حيث يبلغ متوسط الخصوبة في الاتحاد الأوروبي الآن 1.35 طفل لكل امرأة، حيث يبلغ عمر نصف سكان أوروبا 44 عاما أو أكثر.

وتقول صحيفة التلغراف: إن هذا يعني عمليا أنه بدون الهجرة، في دول مثل إسبانيا وإيطاليا، سينخفض عدد السكان إلى النصف بحلول نهاية القرن.
ويحذر التقرير من أن العواقب الاقتصادية ستكون وخيمة، فقد وجدت الدراسات أن زيادة نسبة السكان الذين تبلغ أعمارهم 60 عاما فأكثر بنسبة 10% تُقلل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.7%، بسبب انخفاض نمو القوى العاملة.
ووفقا لصحيفة التلغراف، فإن تراجع إنتاجية فرنسا، إلى جانب دعم العمال الشباب للمتقاعدين، يُمهّد الطريق لحرب أجيال شاملة، تُثقل كاهل دافعي الضرائب وتُضعف تنافسية الشركات الفرنسية في السوق العالمية.
ومع وجود متقاعد واحد يدعمه أقل من عامل ونصف، سينهار النموذج الاجتماعي الفرنسي حتما تحت وطأة هذا الضغط خلال بضعة عقود.
ورغم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلا أن انخفاض الإنتاجية يؤثر على البلاد، ويخلف عواقب سلبية مماثلة.
فمع تقدم الناخبين في السن، يميل السياسيون إلى تفضيل مصالح المتقاعدين على مصالح من هم في سن الإنجاب، وللتعويض عن انخفاض الإنتاجية، زادت بريطانيا من تدفقات الهجرة، لكن صحيفة التلغراف تحذر من أن سياسات الهجرة الحالية تجذب العمال ذوي المهارات المحدودة، مما يزيد الوضع سوءا.
وإلى ذلك، تقول صحيفة التلغراف: إن انخفاض معدلات الخصوبة في بلد مثل أوكرانيا كان له آثار هائلة على أمن البلاد، حيث تأثرت قدرتها على تجنيد الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و30 عاماً، خوفاً من الإضرار بالنمو الديموغرافي في المستقبل.
ما الذي يدفع هذا الانهيار إذا؟
يشير التقرير إلى أن خبراء الديموغرافيا حول العالم يكافحون لتحديد السبب، ويشيرون إلى أن آثار الهواتف الذكية والتحولات في الأعراف الاجتماعية تُعدّ جزءًا من السبب، ولكن الواضح هو أن معدل الخصوبة المرغوب فيه في أوروبا أعلى من معدل المواليد الحالي.
ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، تشير الدراسات الاستقصائية إلى وجود فجوة بين النساء اللواتي يرغبن في إنجاب 2.35 طفل في المتوسط، مقارنةً بالمتوسط البالغ 1.41 طفل في عام 2024.
وهنا، تُحذّر صحيفة التلغراف من أن هذه الفجوة الهائلة، الموجودة في معظم الدول الأوروبية، يجب أن تكون محور اهتمام السياسة الأوروبية.
لعقود، لم يكن الحديث عن الخصوبة أمرا مألوفًا في ثقافة القارة، لكن النبرة تغيرت بعض الشيء في السنوات الخمس الماضية، ففي عام 2024، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن "التسليح الديموغرافي" أولوية وطنية.
وأنشأت رئيسة الوزراء جورجيا مالون وزيرا مسؤولا عن معدلات المواليد، وقالت في عام 2023: "نريد أن نعيد للإيطاليين أمةً لا يكون فيها الأبوة أمرا عتيقا، ولا تكون الأمومة خيارا شخصيا، بل قيمةً اجتماعيةً معترفا بها".
وكذلك، تقول صحيفة التلغراف: إن الوضع في الولايات المتحدة لا يبشر بالخير أيضا، حيث يبلغ معدل المواليد 1.6 طفل لكل امرأة، نسبيا، يتمتع الأمريكيون بوضع أفضل، حيث يبلغ متوسط العمر في الولايات المتحدة 39 عاما، أي أقل بست سنوات تقريبا، لكن هذا يُشير بالأساس إلى انهيار معدل المواليد في أوروبا.
ويختتم تقرير التلغراف بتحذير من أن الجيل الذي لا ينجب أطفالا لن يكون أصغر سنا وأكثر فقرا وشيخوخة فحسب، بل سيكون أيضا أكثر وحدةً وحزنًا.