مقال رأي

لماذا فشلت المعارضة السورية بتأسيس أحزاب سياسية ديمقراطية بعيدة عن العنف والتطرف؟

بقلم علي تمي - كاتب إعلامي وسياسي

بداية الانفتاح وضياع الفرص

بدأت مسيرة المعارضة السياسية في عام 2005م من خلال ما سُمي بـ(إعلان دمشق) وتشكّل من تجمعات وأفراد معارضة، وطالب هذا الإطار بعلمنة الدولة وبنظام ديمقراطي تعددي، ودعت إلى انتقال تدريجيّ وسلمي في السلطة والمساواة بين جميع المواطنين، واستمرت عملية الشد والجذب بين أشخاص معارضين وبين النظام إلى أن تمّ عملية تصفية (الحريري) في لبنان والغزو الأمريكي للعراق وإسقاط نظام صدام حسين، مما أعطى دفعة كبيرة في المعنويات وزيادة في الضغوطات على النظام السوري آنذاك، فأجبر النظام على التراجع في قمع المعارضين له ولو مرحلياً، ومهّد بانطلاقة شرارة الثورة السورية في مارس 2011 .

الربيع والخريف السياسي وجهاً لوجه

مع انطلاقة “الربيع العربي” والثورة السورية والحراك الشعبي في سوريا في 2011م، تمّ الإعلان عن تشكيل المجلس الوطني السوري في إسطنبول، في الثاني من تشرين الأول / أكتوبر 2011م .

ادّعى هذا ” المجلس” أنه يضمّ 90 % من الأحزاب والحركات المُعارِضة على الرغم من اعتراض هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، ما جعله يواجه صعوبة مستمرّة في الحفاظ على وحدته الداخلية وتماسكه، ففي شباط/ فبراير انفصلت إحدى المجموعات البارزة في المجلس لتشكّل أذار “مجموعة العمل الوطنية السورية”، ثم انسحب المجلس الوطني الكوردي منه، والذي ضمّ آنذاك إحدى عشر حزباً كردياً، في نيسان/أبريل 2012 م ، وكانت بمثابة نهاية مأساوية لهذا التجمع السياسي المعارض للنظام السوري، حيث كان يتلقى دعمه من الولايات المتحدة وحلفائها الدوليين، ولا سيما أوروبا الغربية، ومن المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا.

جعجعة بلا طحين

تشكّل الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في العاصمة القطرية (الدوحة)، في نوفمبر 2012م ، وانتخب حينها الداعية معاذ الخطيب، إمام المسجد الأموي في دمشق سابقاً كأول رئيس للإئتلاف، وكان المسمار الأول في نعش الحالة المدنية السياسية السورية الذي كان يتألف حينها من مجموعات ونخب سياسية وأكاديمية معارضة للنظام السوري، وحدثت منذ انطلاقته منافسات على الزعامة، وتراكمت الأزمات في هيكليته التنظيمية طيلة فترة الأعوام الماضية تاركين القضية الأساسية في سلة المهملات رغم الدعم العربي والإقليمي والدولي، الذي تلقاه هذا ( التجمع) ورغم اعتراف 122 دولة بشرعيته السياسية لكن بسبب وجود التناحر على زعامة وهمية من قبل رجال الدين بعبائته العلمانية ضاع الهدف والقضية، ودخلت المعارضة في معركة المفاوضات مع النظام على (ظهر حصان أصابه الجوع والعطش ) وذلك من خلال هيئة التفاوض السورية والذي انطلق في 30 يونيو/ حزيران 2012م بناءًا على دعوة كوفي أنان – مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا في ذلك الوقت.

التناحر على القيادة الوهمية

لاشك أن الشخصيات والنخب السياسية والمجموعات التي تشكل منها الإئتلاف السوري المعارض تناحرت وتعاركت فيما بينها وتركت القضية الأساسية جانباً، واستغل النظام السوري هذه الثغرة وقام باختراق صفوفهم تارةً وإثارة المواضيع الثانوية فيما بينهم تارةً أخرى، رغم سيلان العملة الصعبة وتدفقها عليهم طيلة الأعوام الماضية وخاصةً من السعودية وقطر، ورغم ذلك لم يبادر أي سياسي أو كاتب أو أكاديمي منهم بالعمل على تشكيل حزب سياسي سوري معتدل يتبنى الديمقراطية والتعددية كهدف منشود لهم باستثناء محاولة يائسة وخجولة من ( أحمد جربا ) الذي قُدم له ملايين الدولارات فاكتفى بتأسيس حزب (سوريا الغد) الضعيف، والذي فشل باحتواء جميع النخب والشباب السوري وبقي كإسم فقط، والسبب لأن العقلية العشائرية وديمقراطية الأحزاب خطان متوازيان لا يلتقيان، ولا سيما هيمنة عقلية التطرف والاستبداد التي ورثوها من نظام البعث، وعدم وجود الرغبة لديهم باستغلال الفرص وجاءت الرياح بما لا تشتهي السفن.

الخوف من الديمقراطية

رغم امتلاك أجسام المعارضة السورية الكثير من النخب السياسية والثقافية والأكاديمية إلا أن ممارستهم للعمل السياسي ضعيفة جداً، وليس بحجم التضحيات التي قدمها الشعب السوري، فيمكننا فرز النخب السياسية السورية إلى ثلاث فئات:

1- فئة سارعت إلى حمل السلاح للانتقام من النظام، وتبنت مشاريع طائفية وعنصرية، وقدمت خدمات مجانية للنظام (عن جهل) بسبب عدم قدرتهم على قراءة المشهد المرسوم له في سوريا.

2- فئة تركت الساحة في أول طلقة بسبب عدم وجود الخبرة في مواجهة هكذا حالات تراكمية، وخاصةً في المجال القانوني والتوثيق والابتعاد عن التجييش الطائفي.

3- فئة انخرطت في المعارضة السورية بهدف زرع الفساد وللفائدة الشخصية والمادية، وبالتالي الجميع قدم الخدمات للنظام ربما بدراية أو بدونها بينما المجتمع السوري والطبقة الشابة منهم لاحول لهم ولا قوة لأن النظام استطاع أن يستنزف قوة هذه الطبقة ويُفرغ مضمونها فاستهدف معيشتهم من خلال التهديد بالفصل من الوظائف وقطع الرواتب عند الخروج من الطاعة.

المجتمع السوري وغياب دور الأحزاب السياسية فيه

الحزب السياسي هو تنظيم ديمقراطي يمارس العملية الديمقراطية داخل الحزب بانتخاب أعضائه لتولي المناصب القيادية في الحزب، ووضع الرؤى والأهداف الإستراتيجية، وخارج الحزب بالمشاركة في الانتخابات بمستوياتها المختلفة، سواءًا المحلية أو البرلمانية أو الرئاسية، ويربط الحزب السياسي بصفة عامة بين مجموعة المواطنين الذين يتبنون رؤية سياسيّة واحدة هي رؤية الحزب وبين نظام الحكم وأدوات الدولة المختلفة إلا أنه كان لدى المعارضين السوريين رواية مختلفة تماماً فلم يبادر أحد بتأسيس حزب سوري علماني كما هو الحال لدى النخب الكوردية السورية الذين خدموا المجتمع، وحافظوا على التراث والثقافة والفن الكوردي طيلة العقود الماضية تحت مظلة ( الأحزاب السياسية ) فقد نجحوا ولو بشكل محدود ، وعلينا أن لا ننكر بأن النظام اتبع سياسة دموية مع النخب السياسية السورية المعارضة تحت عنوان محاربة (عصابة الإخوان المسلمين) وهذا ما دفع بالكثيرين إلى الابتعاد عن السياسة وأفرغ المجتمع من هذه الثقافة واعتقل من اعتقل وهاجر ما تبقى منهم إلى الخارج.

الخُلاصة: لو كانت الأموال التي تدفقت على النخب السياسية داخل المجلس الوطني السوري، وفيما بعد على الإئتلاف السوري المعارض قد صُرفت على تشكيل حزب سياسي علماني يحمل برنامجاً مدنياً وغايته تحقيق العدالة الاجتماعية في سوريا، وابتعد عن الإسطوانة المشروخة ( الصمود والتصدي) لحصل هذا الحزب على دعم دولي وإقليمي، ولكان من الممكن أن يتحكم بالملف السياسي المعارض لوحده، وكان سيهتف له الملايين من السوريين، وهذا لم يحصل مع الأسف إلا أن الفساد المستشري داخل هياكل المعارضة وعدم وجود الخبرة السياسية في التعامل مع هكذا أوضاع قد منح النظام فرصة ذهبية لأن يستغل هذه الثغرة ويصفهم بجماعات مسلحة مرتبطة بأجندات إقليمية ودولية لعزل الشرعية عنهم، وعليه نقلت هذه المعارضة صورة سيئة عن المشهد واللوحة في سوريا فكانت الضحية هم المدنيين والأبرياء.

وختاماً هل الشعب السوري بحاجة إلى حزب سياسي علماني يؤمن بالديمقراطية والتنمية البشرية يمثل جميع المكونات والقوميات والمذاهب ليطرح نفسه بديلاً عن نظام البعث الديكتاتوري؟ أقول نعم رغم إننا في مرحلة مفصلية وحرجة وفي وقت بدل الضائع.

الكاتب الصحافي: علي تمي

اقرأ أيضاً : فرصة ذهبية لحزب “الاتحاد الديمقراطي” في الوقت بدل الضائع!

ملاحظة : وكالة ستيب نيوز لا تتبنى وجهة نظر كاتب المقال وليس من الضروري أن يعكس مضمون المقال التوجّه العام للوكالة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى