منوع

لماذا ارتبطت الممارسات الروحية مع النظام الغذائي النباتي عبر العصور والنظرية التي استندت إليها

 

تعود ممارسة العيش على النظام الغذائي النباتي إلى أزمنة تاريخية غابرة، الكثير من الفلاسفة والمعلمين الدينيين البارزين ألحّوا على أتباعهم أن يتجنبوا اللحوم في طعامهم، وأقرّ كل من “البرهميين”، “الجانيين”، “الزردشتيين”، و”البوذيين” بقدسية الحياة والحاجة للعيش دون التسبب بالأذى أو المعاناة للكائنات الحيّة.

 

النظام الغذائي النباتي منذ القدم

 

تتوافق النزعة النباتية مع عيش حياة اللاعنف، تتفق جميع التقاليد الدينية على مبدأ مشترك “لا تقتل”، ويعتبر النباتيون قتل الحيوانات بهدف التهامها نوع من العنف الذي ينمي غرائز الإنسان ونزعاته الدنيوية.

 

ويقولون: “عندما نأكل حيوانًا، فإننا نجعل ذلك الحيوان جزءًا منا نحن لا نبتلع جسم الحيوان فحسب، بل نبتلع أيضًا اهتزازات (ترددات) ذلك الحيوان وهرموناته”.

 

وعندما أصبح الشاعر الروماني، سينيكا، نباتياً بعد تعلمه لتعاليم فيثاغورس، وجد التغيير يأخذ حياته باتجاه أفضل واكتشف أن “عقله أصبح أكثر يقظة وأكثر استنارة”، كذلك كان ألبرت أينشتاين، الفيزيائي العظيم، مقتنعًا جدًا بالتأثير الذي يمكن أن يحدثه النظام الغذائي النباتي على طبيعتنا لدرجة أنه كان يعتقد، إذا تم اعتماده عالميًا، فإن النظام النباتي سيؤدي إلى تحسن كبير في حالة الإنسان.

 

أنواع النباتيين

 

هناك عدة أنواع من “النباتيين” النباتيين الصرف هم الأكثر صرامة حيث يأكلون الأطعمة النباتية فقط، أي يتجنبون لحوم الحيوانات وكذلك المنتجات المستخلصة منها مثل البيض، الحليب، الجبن، اللبن المخثّر، الزبدة، السمنة، وحتى العسل.

 

بينما نجد النباتيين الذين يقبلون الألبان ومشتقاتها في غذائهم، وهناك النباتيين الذين يقبلون الألبان والبيض أيضاً حتى أن هناك نباتيين يتناولون الأسماك مع غذائهم النباتي، لكن في النهاية، العامل الوحيد الذي يجمع كل أنواع النباتيين هو أنهم لا يأكلون اللحوم أو أي شيء يتعلّق بجثث الحيوانات ذات الدم الحار.

 

يبدو أن اللحوم مُنحت أهمية غذائية مُبالغ بها في هذا العصر، لقد أُخطئ في تقييمها غذائياً بالفعل لدرجة أنه أصبح يُعتقد بأن حالات النقص الغذائي خصوصاً البروتينات والفيتامين B12 والصحّة الهزيلة بشكل عام هي نتيجة مباشرة لغياب الأغذية الحيوانية من منظومة الطعام.

بينما في الحقيقة إن بروتين الخضروات عالي الجودة والنوعية بقدر مستوى بروتين الحليب وبالتالي يقدم مساهمة قيّمة للغذاء البروتيني الذي يتطلبه الإنسان النباتي، وهذه النوعية العالية من البروتين تعمل على موازنة النوعية البروتينية المنخفضة الموجودة في الأغذية الأخرى التي يتناولها النباتي، مثل المكسرات وحبوب الفول والفاصوليا.

اقرأ أيضاً:

اليوغا بعيداً عن الأوهام.. منهج فكري وممارسة جسدية للشفاء وتطوير الذات

ويمكن لمنظومة غذائية نباتية مدروسة أن تلبي متطلبات الجسم من البروتينات دون حاجة للحوم والألبان ومشتقاتها، وكذلك القيام بمزج بروتينين نباتيين من النوعية المتدنية للحصول على بروتين من النوعية العالية. فمثلاً، القمح يفتقر للحمض الأميني المعروف باسم “ليسين” لكنه غني بالحموض الأمينية المحتوية على الكبريت، وبالتالي يمكن مزح القمح مع حبوب الفول الغنية بعناصر غذائية مقابلة، فإذا تم تناولها معاً سوف تكمّل بعضها البعض وتشكّل بروتين عالي النوعية.

 

أما بخصوص الاكتفاء بعنصر B12 الغذائي، فإن النباتيين الذين يقبلون الألبان ومشتقاتها في غذائهم lacto vegetarians، وكذلك النباتيين الذين يقبلون الألبان والبيض lacto-avo vegetarians، ليس لديهم أي مشكلة، حيث يمكن إيجاد حاجاتهم من عنصر B12 متوفرة في الألبان ومشتقاتها والبيض.

 

وهناك الملايين من النباتيين الصرف vegans في الهند ومحيطها، والملتزمين بفرائض أديان مختلفة تمنع أكل الحيوانات ومنتجاتها، ورغم ذلك نراهم يعيشون حياة عادية خالية من الأمراض الناتجة من نقص التغذية.

اقرأ أيضاً:

البرانا وأسرار الطاقة الحيوية العاقلة.. كيف تعمل وطرق التحكم بها

التسميم الذاتي للجسم

 

مُعظم الأمراض التي تصيب جسم الإنسان هي ناتجة من التسميم الذاتي للجسم، لأن اللحوم الحيوانية تزيد من عبء أعضاء الجسم المسؤولة عن عملية التخلّص من مسببات المرض، كما تزيد من حمولة النظام الجسدي بالبقايا الحيوانية وسمومها.

 

وأثبت التحليل الكيماوي بأن الحامض البولي وسموم بولية أخرى موجودة في جثث الحيوانات هي مطابقة تقريباً للكافيين والنيكوتين، وهي العناصر السميّة المنبّهة للقهوة، الشاي، والتبغ، هذا يفسّر لماذا يستثير اللحم الانفعالات الحيوانية في الإنسان وتخلق لديه رغبة ملحّة على تناول الخمر، التبغ، ومنبهات قوية أخرى.

 

إضافة إلى أن فائض الحمض البولي الناتج من تناول اللحم يسبب أيضاً أمراض مثل الروماتيزم، مرض برايت (الزلال البولي)، الحصى الكلوية، النقرس، وحصوة المرارة، وبروتينات اللحوم تسبب التعفّن أكثر بمرتين من البروتينات النباتية.

 

بالإضافة إلى ذلك، فإن “التومائين” ptomaine (قلواني سام)،  وغيرها من سموم أخرى، تتشكل في الجثّة بعد موت الحيوان مباشرة، والذي يزيد الأمر سوءاً هو الاحتفاظ بلحوم الحيوانات والطيور في البراد لأيام وحتى شهور طويلة قبل أن تصل إلى المطبخ، مما يمنح السموم وقت كافي للانتشار.

 

هناك تأثير قوي آخر يساهم في تسميم الحيوانات المذبوحة، كما هو معروف جيداً، الانفعالات، مثل القلق والخوف والغضب، التي تنتاب الحيوان أثناء الذبح، وتؤدي إلى تسميم الأنسجة لديه وكذلك الدم.

 

اللحم هو بشكل عام حامل للجراثيم المسببة للأمراض، إن أنواع مختلفة من الأمراض يتزايد عددها في الحيوانات، مما يجعل الأطعمة اللحمية أقل أماناً مع الوقت، والناس يأكلون باستمرار اللحوم التي قد تحتوي على جراثيم السلّ والمسببة للسرطان، وغالباً ما تؤخذ الحيوانات لتُباع في الأسواق عندما تكون مريضة جداً مما يدفع أصحابها إلى الاستغناء عنها.

 

وبعض عمليات التعليف والتسمين التي تخضع لها الحيوانات من أجل زيادة وزنها، وبالتالي سعرها، تنتج طيف واسع من الأمراض، وغالباً ما تبقى الحيوانات خلال العملية معزولة عن ضوء الشمس والهواء النقي، مما يجعلها تتنفس هواء الإسطبلات النتنة، وربما يتم تعليفها عبر إطعامها أغذية قذرة ومتعفّنة، وبهذا يصبح الجسم بكامله مسمم بمواد فاسدة.

 

الإنسان ليس كائن لاحِم

 

النظرية التي يستند إليها من يتبعون النظام الغذائي النباتي هي أننا كبشر ننتمي لفصيلة المخلوقات المُصممة بيولوجياً للتكيّف مع تناول حاجاتنا الغذائية من عالم النبات.

 

وأن الحيوانات المهيأة فعلياً لالتهام اللحوم لديها قناة هضمية أقصر بكثير من الحيوانات النباتية، ويُقدر طول القناة الهضمية عند الحيوانات اللاحمة بما يعادل 3 أضعاف طول جذعها، بينما القناة الهضمية لدى الإنسان، وباقي الحيوانات النباتية، يعادل طولها بين 8 و12 ضعف طول الجذع.

 

وقصر القناة الهضمية لدى الحيوانات اللاحمة تحتم ضرورة التخلّص المبكر من نواتج هضم اللحوم المتفسّخة سريعة التحلّل، بينما طول القناة الهضمية لدى آكلة النباتات تستوجب ضرورة التمهّل لاستخلاص العناصر الغذائية من الأطعمة النباتية إضافة إلى نواتج هضم هذه الأطعمة ليست ضارة إن مكثت فترة أطول مقارنة مع الأطعمة الحيوانية.

 

إضافة إلى أن أسنان الإنسان غير مهيأة لنهش وتمزيق اللحوم، حيث أنها لا تشبه أبداً أنياب الذئاب أو الأسود أو أسماك القرش المرصوفة والمدببة كالمنشار، أما لعاب الإنسان، فهو مختلف أيضاً عن لعاب الحيوانات اللاحمة إذ أنه قلوي، بينما لعاب الحيوانات اللاحمة حامضي ليتمكن من تفكيك البروتينات المركّزة.

اقرأ أيضاً:

تدريبات خفيفة لـ إنقاص الوزن باليوغا بعد الإفطار تعرف عليها -فيديو

وفي الوقت الذي تفرز فيه معدة الإنسان قدراً محدوداً من حمض الهيدروكلوريك، تفرز معدة الحيوان اللاحم عشرة أضعاف ما تفرزه معدة الإنسان من هذا الحمض، والغاية من هذه المادة المُفرزة طبعاً هي إذابة اللحوم. كما أن للحيوانات اللاحمة استطاعة مدهشة على إنتاج قدر كبير من الكولسترول، وتملك أنزيم اليوريكاز لتفكيك حمض البول، بينما الإنسان لا يستطيع إلا توظيف كمية محدودة من الكولسترول عبر الكبد لديه ولا يملك أنزيم اليوريكاز.

 

فوائد النظام الغذائي النباتي

 

أثبتت الدراسات العلمية أن البروتين يتكوّن من أحماض أمينية وليس مصدرها الوحيد هو البروتين الحيواني، واتخذت هذه الدراسات الحيوانات النباتية كمثال، الفيلة والخيول والغوريلا ووحيد القرن.. إلى آخره، حيث هذه الحيوانات لا تقترب من اللحم إطلاقاً ولا أي شكل من أشكال البروتين الحيواني، ومع ذلك تكتنز أجسامها القوية كميات هائلة من البروتين، ولا تعاني من أمراض نقص البروتين.

 

وهناك دراسة قالت أن تلك القطعان من الماشية التي تغذينا على لحومها عبر عصور طويلة (أغنام، أبقار، ماعز..) وكانت تزوّدنا وتزوّد نفسها بالبروتين رغم أنها حيوانات نباتية، من أين تشكّل البروتين في أجسامها؟

 

في النتيجة يمكن للمنظومة الغذائية النباتية أن تحوز على منافع كثيرة، إذا كانت غنية بالفواكه والخُضار، وتحتوي على كميات معتدلة من البذور، المكسرات، الحبوب، والبقول، وأحد المنافع الرئيسية للغذاء النباتي السليم هو انخفاض نسبة محتوى الحريرات مقابل حجم الوجبة، وهذا يحافظ على وزن نموذجي للجسم.

 

هناك فائدة أخرى للغذاء النباتي ويتمثّل بالنسبة المتدنية من الدهون، إذا تم تناول مشتقات الألبان، البذور والمكسرات بنسب قليلة، هذا هو سبب وجود معدلات منخفضة من الكولسترول لدى النباتيين، وهذا يساهم بشكل فعال في تقليص إمكانية الإصابة بأمراض قلبية وسرطانات مثل تلك التي تصيب الثدي والقولون.

 

الفائدة الغذائية الثالثة التي يقدمها النظام الغذائي النباتي تتمثّل بالمحتوى العالي من الألياف، والتي بسبب صعوبة هضمها، تزيد من كتلة الفضلات وتحافظ على طراوتها مما يجعلها سهلة التخلّص.

 

أشارت إحدى الدراسات إلى أن النباتيين الذين يقبلون الألبان والبيض يستهلكون من الألياف ضعفين، والنباتيين الصرف vegans يستهلكون أربعة أضعاف، من غير النباتيين، لقد تم ربط مدخول الألياف العالي بانخفاض مخاطر الإصابة بأمراض القولون، التهاب الزائدة الدودية، سرطان القولون والمستقيم، فتق في الحجاب الحاجز، البواسير، والدوالي.

 

إذاً، النظام الغذائي النباتي هو نظام يستند على مبادئ علمية وأثبت جدواه كنظام مُتحرر كلياً من سموم وبكتريا الحيوانات، إنه يمثّل أفضل الأنظمة الغذائية لتطوّر الإنسان الجسدي، العقلي، والروحي، بحسب النباتيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى