الشأن السوري

ما حقيقة ترخيص المنظمات الإنسانية في دمشق، ملفّات خاصّة تستعرضها وكالة ستيب لأول مرة!!

بعد الحملة العسكرية التي شنّتها قوّات النظام السوري وميليشياته، والتي أفضت إلى سقوط محافظة درعا وتسليمها بالكامل، بدأ العاملون والمتطوعون لدى المنظمات الإنسانية خلال الحملة العسكرية على المحافظة بإعادة حساباتهم إزاء عملهم مع هذه المنظمات، منهم من تابع العمل لتفادي الكارثة الإنسانية التي أوشكت على الوقوع، ومعظمهم فرَّ هاربًا بحثًا عن النجاة.

في الوقت الذي أحدث هروب البعض منهم ضررًا على المدنيين المتواجدين في مناطق مختلفة من درعا، نظرًا لحاجة الأهالي الماسّة لتعويض النقص الحاد في جميع المواد الإغاثية حينها، إلّا أنه كان كارثيًا على المنظمات الإنسانية التي ملأت مستودعاتها بآلاف الأطنان من المواد والمعونات قبيل الحملة العسكرية على المحافظة والتي كانت غير محسوبة.

وفي تفاصيل هذا التحقيق، تحدّث السيّد “هاشم عسّاف” أحد مسؤولي إحدى المنظمات الإنسانية التي كانت عاملة في الجنوب السوري لـ وكالة “ستيب الإخبارية” ، أنه وبعد سقوط محافظة درعا أبلغ الداعمين رؤوساء المنظمات العاملة في الداخل السوري أنَّ لديهم مدة زمنية محددة لـ أن يتم إنهاء عملهم في الأردن، نظرًا لتوقف البرامج المعنية بالشأن الإنساني داخل سوريا، الأمر الذي استدعى العديد من المنظمات إلى إغلاق مكاتبها ومغادرة عمّان.

وعليه بدأ التنسيق بين مكتب (الأوتشا) في عمّان ومكتبها في دمشق إلى جانب المكتب الإقليمي، التي أرسلت ممثلين عنها إلى المدعو “علي الزعتري” والذي يشغل منصب منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في دمشق، كما أنه الوسيط الرئيسي بين الجهات المذكورة، على مصير العاملين في هذه المنظمات بحال تم الإفصاح عن هويتهم أمام النظام السوري، بهدف إستكمال عملهم في البرامج الإنسانية ضمن مناطق سيطرته، إلّا أنَّ الأخير لم يُعطي أيَّ ضمانة على مصيرهم.

وهنا بدأ التضييق على المنظمات خصوصًا مع وجود نحو مئة وعشرين ألف طن إغاثي مختلف، أو ما يسمى بـ “الستوكات” في الأردن، وقسم منها في ميناء العقبة، وبانتظار إدخالها للجنوب السوري، حيث كانت تدخل سابقًا عن طريق وحدة الدعم والتنسيق، في حين رفض النظام إدخالها برًا إلى الأراضي السورية بعد إحكامه على الحدود البرية، واقترح أن يتم توزيعها بالداخل الأردني الذي رفض قطعًا استقبال هذه المعونات على اعتبار أنَّ هذه الستوكات وصلت الأردن منذ نحو عام ما يعني أنه تبقى لديها نحو ستة أشهر لـ أن تنفذ صلاحيتها.

وعليه، طرح النظام السوري مقترحًا آخر وهو أن يتم إدخال “الستوكات” عبر النقل الجوي لـ تدخل عبر وحدة دمشق ويتم إستلامها أصولًا من قبل “الهلال الأحمر السوري” الذي بدوره سيقوم بتوزيعها حسب أولوياته، الأمر الذي رفضته المنظمات المعنية نظرًا لارتفاع التكلفة المادية للشحن الجوي على هذه الستوكات.

عندها بدأت بعض المنظمات بالعمل على إمكانية ترخيص عملها داخل مناطق سيطرة النظام السوري، والذي وافق عليها لكن بشروط، وفيما يلي نص ما أرسله النظام لـ المنظمات المعنية:

“لن تحصل أي منظمة على تصريح للعمل داخل مناطق سيطرة الحكومة السورية إذا كان لديها فعاليات في الداخل السوري وتديره عبر الحدود”، أي أنه لن يتم الترخيص لأي منظمة إلّا بعد أن تقوم بفتح أحد مكاتبها في دمشق والذي بدوره لن يتم تمرير أي تقرير إلا بعد أن يخضع للرقابة من قبل الحكومة.

وأيضًا: “في حال قامت أي منظمة بتغيير اسم جزء منها لفصله عن الجزء الذي مازال مستمرًا بالعمل عبر الحدود، وقامت بمحاولة التسجيل بالاسم الجديد في دمشق فإنَّ كل محاولاتها ستبوء بالفشل، محاولات (الخوذ البيضاء) في التسجيل غير مرحب بها، في حال نالت منظمة ما على موافقة الحكومة فلن تقوم منظمة الهلال الأحمر بالتدخل في تصميم أو تنفيذ البرامج، سيكون دور الهلال الأحمر محصورًا على إرسال طلبات الموافقة على العمل للحكومة السورية (على مستوى المنظمة والمشاريع). والإشراف على التنفيذ وبعض العمليات اللوجستية مثل: ( طلبات الفيزا للموظفين الدوليين وفض عروض الموردين)”.

وفي هذا البند لفت النظام إلى أنه “سوف يتم إرسال الأموال مباشرة من المانحين إلى المنظمات المرخصة وليس إلى حساب الهلال الأحمر”، وعلّق المصدر أنَّ أحد حسابات المنظمات البنكية في الأردن يبلغ نحو 47 مليون دينار أردني، فيما يُقدّر المبلغ التقريبي لمجموع الحسابات البنكية الخاصّة بالمنظمات الدولية المعنية بالشأن السوري في الأردن نحو 500 مليون دينار أردني، أي أنه بحال تم قبول شروط النظام بذلك، فسيتم تحويل جميع المبالغ المالية للحسابات البنكية العائدة للمنظمات إلى حسابات النظام السوري.

وأضاف ردّ النظام “يمكن لأي منظمة ترغب بالعمل عن طريق دمشق أن ترسل ملفها إلى منظمة الهلال الأحمر عن طريق منسق الشؤون الإنسانية (علي الزعتري) وبعدها ستقوم منظمة الهلال الأحمر بإرسال الملف للجهات الرسمية المسؤولة للحصول على الموافقة”.

“سوف تساعد منظمة الهلال الأحمر المنظمات لتعرف كيفية التسجيل بصفة منظمة محلية أو منظمة دولية بعد تقييم ملفها ومعلوماتها، سوف يتم ترخيص فعاليات المنظمات غير الحكومية الدولية بواسطة وزارة الخارجية السورية، وسوف تكون جميع فعالياتها تحت إشراف منظمة الهلال الأحمر بشكل مباشر في حال حصلت على موافقة الخارجية في العمل بالداخل السوري، وسوف يتم تسليم كل مشروع جديد ترغب أي منظمة بتنفيذه إلى وزارة الخارجية السورية عن طريق منظمة الهلال الأحمر لأخذ الموافقة”.

وأضاف النظام، أنَّ “هنالك طريقاً آخر للحصول للمنظمات السورية على تصريح للعمل في الداخل السوري وهو عن طريق وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية والتقدّم بطلب تحت قانون المنظمات غير الحكومية، وهذا لن يكون تحت إشراف مباشر من الهلال الأحمر ولكن من الممكن أن يطلعوا على ملف المنظمة مسبقًا لفهم ما إذا كانت هذه هي الطريقة المناسبة لمنظمة لبدء العملية”.

وعلى هامش موضوع تسجيل المنظمات والحصول على تراخيص، تمّت الملاحظة بأنه من الصعب الطلب بتسليم مستودع إلى منظمة الهلال الأحمر خلال فترة تغير السيطرة على الأرض، وإذا كان هنالك ترتيبات لتسليم مستودعات يجب أن يتم ذلك مسبقًا عندما يكون للجهات المدنية مجال للمناورة، وتعليقًا على ذلك ذكر المصدر أنَّ أحد المنظمات تملك مجموعة مستودعات في مدينة إنخل بدرعا، ممتلئة بجميع أنواع الدعم الخاص بالأطفال، أي أنَّ هذه المستودعات سيتم تسليمها للنظام الذي بدوره سيسلمها لـ الهلال الأحمر السوري، دون أحقية التصرف للمنظمة المعنية بهذه المستودعات.

كما تذرّعت “الأوتشا” بأنًّ جميع المنظمات غير الحكومية السورية “رحبت بمشاركة الهلال الأحمر للخطوط العريضة الخاصة بعملية التسجيل، وعبرت عن اهتمامها الشديد بإجراء مباحثات أخرى لمعرفة شروط وتفاصيل التسجيل بشكل معمق”.

في حين ردّت المنظمات على شروط النظام بمجموعة من الاستفسارات التي تخّص توضيح آلية العمل بحال تمّت موافقة الأطراف على الترخيص، وتلخّصت بما يلي، “هل من الممكن تنفيذ المشاريع بشكل مباشر باستخدام فرقها الخاصة؟ هل سيعمل فريق المنظمة مرتديًا شعار الهلال الأحمر أم شعاره الخاص؟ أم سيرافقه فريق مشرف من الهلال الأحمر؟ هل سيطلب من المنظمة التي توّد الحصول على ترخيص أن تعمل تحت اسم جديد؟ أو من المفضل أن تعمل تحت اسمها القديم؟ هل هنالك أي إجراءات تشغيلية سابقة مكتوبة بين المنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية والهلال الأحمر للإشراف على المشاريع؟ هل سيكون لإشراف الهلال الأحمر تبعات مالية على المنظمات غير الحكومية السورية والدولية؟ هل هنالك أي قطاعات معينة يجب على المنظمات غير الحكومية العمل بها؟ أو هل يوجد قطاع محصور بالهلال الأحمر، سوف تشارك المنظمات غير الحكومية ملفاتها وتفضيلاتها الخاصة بالتسجيل بصفة منظمة محلية أم دولية؟”.

وحينها ردَّ النظام على استفسارات المنظام أنه، سوف تشارك منظمة الهلال الأحمر نموذج التسجيل، كما أنه سوف تساعد منظمة الهلال الأحمر بتسهيل عملية تسجيل المنظمات غير الحكومية السورية في وزارة تنمية الشؤون الاجتماعية والعمل، سوف يسهل المنسق المقيم للشؤون الإنسانية الاجتماع بين الهلال الأحمر والمنظمات غير الحكومية في عمان، وسوف يراجع المشاركون محضر الاجتماع لإرسال نسخة منه للمنظمات غير الحكومية السورية عن طريق ممثليهم في الاجتماع”.

وأشار المصدر إلى أنَّ النظام السوري يعمل على استغلال تبعات فرض سيطرته على الجيوب الأخيرة التي كانت تحت حكم المعارضة، ليقوم باستدراج المنظمات والضغط عليهم بشتّى الوسائل على أن يقبلوا بالترخيص ضمن مناطق سيطرته، بهدف أن يُدرجها تحت مظلة “الهلال الأحمر السوري” والذي بدوره يتصرف بها وفقًا لصلاحياته الكاملة، وبالتالي يُظهر نفسه للعالم بأنه استطاع جذب هذه المنظمات لمناطق تواجده ما يعني أنها باتت مناطق آمنية وصالحة لـ بيئة العمل الإنساني بكل شفافية.

بالإضافة لإستفاده من الحسابات البنكية الخاصة بالمنظمات غير الحكومية والتي بدورها ستعود بالفائدة على اقتصاده، بسبب تحويل الداعمين لمسؤولي المنظمات الأموال بـ الدولار الأمريكي والذي سيتم تحويله اوتوماتيكيًا إلى الليرة السورية، والتي بدورها سترفع قيمة الليرة شيئًا بشيء ما يعني انتعاش البنك المركزي مجددًا.

تجدر الإشارة إلى أنَّ اسم “هاشم عساف” هو اسم وهمي تم وضعه من قبل الوكالة، بسبب رفض المصدر الإفصاح عن هويته، وللحفاظ على سلامته.

تمكّنت وكالة “ستيب الإخبارية” من الحصول على نسخ رسمية من محادثات التفاوض التي جرت بين المنظمات الإنسانية والأطراف المعنية من جهة النظام السوري، سيتم رفقها ضمن المقال.

تجدر الإشارة إلى أنَّ اسم “هاشم عساف” هو اسم وهمي تم وضعه من قبل الوكالة، بسبب رفض المصدر الإفصاح عن هويته، وللحفاظ على سلامته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى