ضبّاط “أجانب” في الجيش السوري الجديد من هم؟ .. خبراء يشرحون أول قرار عسكري بعد إسقاط الأسد
أثيرت موجة من الجدل خلال الساعات الماضية بعد قرار الإدارة العسكرية في سوريا ترفيع عدد من الأشخاص في رتب عسكرية ضمن أول قرار في بناء الجيش السوري الجديد، حيث رُصد في قائمة الأسماء شخصيات غير سورية، لينقسم آراء الخبراء بين مؤيد للأمر باعتبار وجود العديد من جيوش العالم التي تملك خبراء عسكريين من جنسيات دول أجنبية، وبين معارض على اعتبار أن الجيش يجب أن يكون وطنياً بامتياز، فكيف سيكون الجيش السوري الجديد؟
أسماء الضباط غير السوريين المُرَقّين في الجيش السوري الجديد :
شهدت سوريا جدلًا واسعًا عقب إعلان إدارة العمليات العسكرية عن ترقية عدد من الضباط، بينهم أسماء غير سورية تنتمي لفصائل وهيئات مسلحة شاركت في الحرب.
تأتي هذه الخطوة في إطار التحضيرات لبناء جيش جديد بدأت من خلال الاجتماعات التي ترأسها قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، مع الفصائل المسلحة التي قاتلت النظام السوري البائد، واتفق الجميع خلالها على حلّ جميع الفصائل وسحب السلاح، والاندماج في صفوف القوات النظامية تحت مظلة وزارة الدفاع، لكن القرار الأخير أثار تساؤلات عميقة حول الهوية الوطنية للجيش السوري ومستقبله.
ومن بين الأسماء التي وردت في البيان:
العميد عبد الرحمن حسين الخطيب: أردني الجنسية، دخل سوريا في بداية عام 2014. خريج كلية الطب في الجامعة الأردنية، وعُرف بولائه الشديد لقائد هيئة تحرير الشام، وتقلد مناصب عدة داخل “الهيئة”.
العميد عبد العزيز داوود خدابردي: يُعتقد أنه من جنسية أجنبية، دخل سوريا عام 2015، وقاتل ضمن صفوف “الحزب الإسلامي التركستاني” الموالي لهيئة تحرير الشام.
العميد عمر محمد جفتشي (المعروف بـ”مختار التركي”): تركي الجنسية، ويُعتبر من المؤسسين لهيئة تحرير الشام.
ذو القرنين زنور البصر عبد الحميد: أحد الأسماء التي أثارت جدلاً واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي، نظرًا لغرابة الاسم وعدم توافقه مع الأسماء السورية التقليدية.
نحو جيش محترف: رؤية مستقبلية
العميد منير الحريري، أحد الضباط المنشقين عن النظام السوري السابق، تحدث لوكالة ستيب نيوز عن ملامح الجيش الجديد، مؤكدًا أن التوجه الحالي يقوم على بناء جيش احترافي بالكامل، بعيدًا عن الخدمة الإلزامية التي كانت تُمارس في السابق. وأوضح قائلاً: “الجيش المحترف سيكون قوامه المتطوعون فقط، وسيقتصر على 100 إلى 150 ألف جندي مدربين ومؤهلين. هذا النهج سيُبعد المؤسسة العسكرية عن التداخل مع الحياة المدنية ويُعزز كفاءتها.”
في المقابل، يرى الدكتور صلاح قيراطة، الخبير العسكري والاستراتيجي، في حديث لوكالة “ستيب نيوز” أن هذا التحول قد يصطدم بمشكلات هيكلية بسبب وجود أسماء غير سورية ضمن المنظومة. وأشار إلى أن إدخال الأجانب ضمن الجيش يُعد انتهاكًا للهوية الوطنية التي كانت تميز المؤسسة العسكرية السورية، وأضاف:”الجيش السوري تاريخيًا كان رمزًا للسيادة الوطنية، وأي محاولة لإدخال عناصر أجنبية فيه تُهدد بتقويض هذه الهوية الوطنية وضرب ثقة الشعب به.”
ترقيات غير سورية.. هل هي خرق للهوية الوطنية؟
الجدل تواصل مع هذا القرار في الأوساط السورية، حيث لم ترد أسماء ضباط منشقين عن النظام السوري البائد فيه.
العميد الحريري شدد على أن هذه الترقيات قد تكون خطوة تنظيمية ضرورية لاستيعاب المرحلة الانتقالية، مشيرًا إلى أهمية احترام التراتبية العسكرية لضمان انضباط الجيش. وقال: “ترفيع الرتب، مثل ترقية وزير الدفاع إلى رتبة لواء، يُعد أمرًا طبيعيًا لتنظيم العمل. ومع ذلك، يجب اختيار قيادة الأركان بعناية لضمان الكفاءة والاحترافية.”
على الجانب الآخر، وصف الدكتور قيراطة هذه الترقيات بأنها استمرار لسياسات عبثية من حقبة النظام السابق. وقال: “ترقية أفراد غير سوريين تُعد خطوة خطيرة تُكرس الفوضى التي خلفها النظام السابق. هؤلاء الأفراد لا يحملون ولاءً وطنيًا، ووجودهم في المؤسسة العسكرية يُعرضها لمخاطر الأجندات الخارجية.”
الضباط المنشقون ودورهم في المرحلة الجديدة
من أبرز الملفات التي تواجه القيادة الجديدة هو كيفية الاستفادة من خبرات الضباط المنشقين عن النظام السابق.
العميد الحريري أكد أن هؤلاء الضباط، البالغ عددهم حوالي 15,000، يمكنهم المساهمة بشكل فعال في بناء الجيش الجديد، إذا ما تم دمجهم بروح وطنية بعيدًا عن الاعتبارات الطائفية. وأضاف: “الضباط المنشقون يجب أن يكونوا عماد الجيش الجديد، وتُستثمر خبراتهم لتطوير المنظومة العسكرية على أسس حديثة.”
في الوقت نفسه، حذر قيراطة من أن تجاهل الهوية الوطنية خلال إعادة بناء الجيش قد يُضعف المؤسسة بدلًا من تعزيزها، مؤكدًا ضرورة الاعتماد على الكفاءات السورية الوطنية فقط. وصرّح قائلاً: “إعادة بناء الجيش يجب أن تُركز على العناصر الوطنية الخالصة”
مخاطر وتهديدات حقيقية
يرى الدكتور قيراطة أن وجود الأجانب في الجيش يُهدد بثلاثة مخاطر رئيسية: “ضرب الهوية الوطنية: إدخال أفراد أجانب يقوض التوازن الوطني الذي كان يُميز الجيش السوري، وتقويض الثقة الشعبية: الشعب السوري ينظر إلى الجيش باعتباره ممثلًا وحاميًا للوطن، ووجود عناصر أجنبية يُثير الشكوك حول ولاء المؤسسة، وخطر الأجندات الخارجية: الأجانب غالبًا ما يكون ولاؤهم للجهات التي جندتهم، ما يُعرض الجيش لتأثيرات خارجية”.
العميد الحريري، رغم تأكيده على أهمية إعادة التنظيم، شدد على ضرورة معالجة أي ملاحظات تتعلق بوجود غير السوريين لضمان توافق وطني كامل. وقال: “إذا كانت هناك تحفظات على وجود أسماء غير سورية، فإن القيادة الجديدة ستُعالجها بما يضمن القبول الشعبي والتوازن الوطني.”
كما أكد على أهمية تعزيز الكفاءات، وأن المرحلة الحالية تتطلب مرونة في استيعاب جميع الأطراف للمضي قدمًا نحو بناء جيش موحد.
وكان قائد الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، قد قال لوسائل إعلام، إن “المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا لتحرير سوريا يستحقون جنسيتها”، وفيما يبدو أنه توجه إلى تجنيس أولئك المقاتلين، ودمجهم بوزارة الدفاع الجديدة للاستفادة من خبراتهم العسكرية، وتحدثت تقارير إعلامية عن منح هؤلاء القياديين العسكريين الجنسية السورية خلال الأيام الماضية، وبالتالي لم يعودوا أجانباً داخل الجيش السوري الجديد.
وبالوقت عينه أبرز خبراء تخوفهم من إمكانية وجود بعض الأسماء التي وردت بقرار الترقيات ضمن قوائم دولية لملاحقة الجماعات “الإرهابية”، سيما أن قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع كان ضمن هذه القوائم بصفته قائد هيئة تحرير الشام المدرجة في عدد من الدول حول العالم ضمن “القوائم السوداء”، وبالتالي فإن المخاوف تزيد من رفض المجتمع الدولي للجيش القادم ووجود هؤلاء الأشخاص على رأسه.
ورغم اختلاف الآراء فإن إمكانية الاستعانة بخبراء أجانب ضمن جيوش دول ليست بالفكرة الجديدة، حيث سبق للنظام البائد أن استعان بإيران وروسيا والصين وكوريا وميليشيات أفغانية ولبنانية وعراقية للقتال مع قواته، بينما يملك الجيش الأمريكي وهو أقوى جيش بالعالم ضبّاطاً مجنسين من آسيا وأفريقيا، كما أن الجيش الروسي ثاني أقوى جيش بالعالم أيضًا استعان بميليشيات أجنبية وجنّد أجانب ضمن صفوفه ومنحهم الجنسية الروسية.