مؤسس بيت الحكمة.. سيرة الخليفة المأمون وأهم إنجازاته
المأمون (786–833 م) هو عبد الله بن هارون الرشيد، سابع الخلفاء العباسيين، حكم من عام 813 م حتى وفاته عام 833 م. يُعدّ أحد أبرز حكام العصر العباسي الذهبي، حيث تميز عهده بالازدهار العلمي والثقافي، والانفتاح على الحضارات الأخرى، ما جعله رمزًا للنهضة الفكرية في التاريخ الإسلامي.
أهم إنجازاته
1. تأسيس وتطوير بيت الحكمة
– أنشأ المأمون بيت الحكمة في بغداد، الذي تحول إلى أعظم مركز علمي وثقافي في عصره، ضم مكتبة ضخمة ومراصد فلكية.
– شجّع حركة الترجمة من اللغات اليونانية والفارسية والهندية والسريانية إلى العربية، حيث تُرجمت أعمال لأرسطو، وأبقراط، وإقليدس، وغيرهم.
– استقدم علماء ومترجمين بارزين مثل حنين بن إسحاق وثابت بن قرة، مما ساهم في حفظ التراث العالمي ونقله إلى الأجيال اللاحقة.
2. دعم العلوم والابتكار
– رعى العلماء في مجالات متنوعة مثل:
– الرياضيات: دعم أعمال الخوارزمي، مؤسس علم الجبر، الذي ألّف كتاب “الجبر والمقابلة”.
– الفلك: أمر ببناء مراصد لرصد النجوم، وأشرف على مشروع “الميل المحوري للأرض”.
– الطب: شجّع ترجمة الكتب الطبية وتطويرها، مثل أعمال جالينوس.
3. تشجيع الحوار الفكري والمذهبي
– تبني سياسة الانفتاح على مختلف المذاهب الفكرية، ودعم المناظرات بين العلماء من مختلف الديانات والخلفيات.
– تبنى مذهب المعتزلة، وحاول التوفيق بين العقل والنقل، مما أدى إلى حدوث “محنة خلق القرآن” التي أثارت جدلًا حول مسألة قدم القرآن أو حدوثه.
4. الإصلاحات الإدارية والعسكرية
– عمل على تعزيز الوحدة السياسية للدولة العباسية بعد الصراع مع أخيه الأمين، الذي انتهى بفوز المأمون في الحرب الأهلية (811–813 م).
– اهتم بتقوية الجيش وتنظيم الإدارة، وعيّن ولاة مخلصين مثل طاهر بن الحسين مؤسس الدولة الطاهرية في خراسان.
5. التبادل الثقافي مع الإمبراطورية البيزنطية
– أقام علاقات دبلوماسية مع الإمبراطور البيزنطي ثيوفيلوس، وطلب نسخًا من المخطوطات اليونانية، مما عزّز التلاقح الثقافي بين الحضارتين.
يُعتبر عهد المأمون ذروة العصر الذهبي للخلافة العباسية، حيث حوّل بغداد إلى عاصمة العالم العلمية، وأسس لحركة تنويرية امتد تأثيرها إلى أوروبا خلال العصور الوسطى. رغم الانتقادات حول سياساته المذهبية، يبقى إرثه الثقافي والعلمي شاهدا على رؤيته التقدمية التي جعلت من المعرفة جسرًا للحضارة الإنسانية.