منذ أمس وملف الفصائل هو الأكثر تداولا في العراق، فقد كشف مصدر مسؤول في هيئة تنسيقية المقاومة، عن وجود خلافات وانقسامات ما بين الفصائل المسلحة المنضوية في الهيئة التنسيقية للمقاومة بسبب تخلي بعض تلك الفصائل عن السلاح وإعلانها ذلك بشكل رسمي، إلى جانب فصائل سوف تعلن عن التخلي عن سلاحها خلال الأيام القادمة، ما دفعها إلى الترتيب لاجتماع موحد للخروج بموقف شامل.
ويوم أمس السبت، أعلنت بعض الفصائل المسلحة، موافقتها على الدعوة لحصر السلاح بيد الدولة، وصدرت مواقف رسمية من قبل الأمين العام لكتائب الإمام علي شبل الزيدي، ومن ثم لحقتها دعوة أمين عام حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، وأيضا فصيل أنصار الله الاوفياء، فضلاً عن المتحدث باسم كتائب سيد الشهداء.
ولكن لم تمر ساعات إلا وأصدرت كتائب حزب الله بيانا رفضت فيه "نزع سلاحها" وأكدت أن "السيادة وضبط أمن العراق ومنع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها، هي مقدمات للحديث عن حصر السلاح بيد الدولة". كما أكد قيادي في حركة النجباء استمرار الحركة في مقاومة الأمريكيين بكل الطرق.
الارتباط بإيران
الخبير الأمني والاستراتيجي غني الغضبان يقول لوكالة ستيب الإخبارية، حول هذه النقطة: "لماذا النجباء والكتائب يمتنعون عن تسليم أسلحتهم بأي طريقة كانت دونا عن الآخرين، لأن لكل من هاذين الفصيلين ارتباط خارجي وارتباط عميق، أما أن يكون ارتباطهم مباشر مع حزب الله اللبناني أو ارتباطهم مباشر مع الحرس الثوري الإيراني، ولكن بالمحصلة النهائية سوف يرضح هؤلاء كما رضخ الجميع".
من جهته، يقول الكاتب السياسي والصحفي عامر السامرائي لوكالة ستيب: "إصرار هاتين الحركتين على الاحتفاظ بسلاحهما لا يمكن عزله عن الدور الموكل لهما داخل المنظومة الإقليمية، وليس فقط داخل الساحة العراقية. هاتان الحركتان تُصنّفان ضمن الفصائل الأكثر ارتباطاً عقائدياً وتنظيمياً بالمشروع الإيراني، وتُعدّان جزءاً مما يسمى محور المقاومة بوصفه منظومة عابرة للحدود، لا مجرد فصائل محلية".
ويضيف: "بينما تُظهر بعض الفصائل الأخرى مرونة أكبر في التعاطي مع ملف السلاح، انطلاقاً من حسابات مختلفة، منها تجنب الضغوط الدولية أو الخشية من الاستهداف، أو تعتقد الحفاظ على وجودها ضمن الإطار الرسمي للدولة. هذا التباين يعكس انقساماً حقيقياً داخل الفصائل بين من يرى السلاح ورقة تفاوض قابلة للتدوير، ومن يعتبره عنصراً وجودياً لا يمكن التنازل عنه لأنه مرتبط بوظيفة إقليمية تتجاوز الدولة العراقية نفسها".
المطالبة بضمانات
هذا وكشف مصدر في الإطار التنسيقي، أن القوى السياسية في الإطار طلبت من بعض الأطراف الدولية (الوسطاء) تقديم ضمانات حقيقية مقابل حل الفصائل المسلّحة ونزع أو حصر سلاحها بيد الدولة، وتتمثل الضمانات بعدم التعرض لها أو استهدافها، وأن يترك أمر الحل والدمج دون مدة محددة، لأن الحراك سيكون داخلياً. وأشار المصدر إلى أن "الضمانات فيها أيضا، عدم استهداف قيادات الفصائل المنحلة وعدم المساس باقتصاديات تلك الفصائل وعناوينها".
الغضبان تعقيبا على هذه النقطة يقول: "بالحقيقة لسان حال الفصائل هو الإطار التنسيقي أو نستطيع القول إن هنالك جزء من الإطار التنسيقي بدأ يستخدم نظرية تفكيك الكلف ومحاولة تجنب كلفة العزل الأممي أو العزل الدولي، بالإضافة إلى الابتعاد عن الكلف الاقتصادية ومن ثم كلفة الاشتباك مع الجانب الأمريكي وحليفه إسرائيل".
ويتابع: "هذه أخذها بعين الاعتبار الإطار التنسيقي الذي وصلته رسائل واضحة وصريحة بأنه لا بد من تفكيك سلاح الفصائل ودمج هذه الفصائل مع المؤسسات الأمنية ولكن أنا أقول إن هنالك تلاعبا بالألفاظ، هنالك من يقول تفكيك السلاح وهو الجانب الأمريكي وأن الإطار التنسيقي والفصائل يقولون دمج السلاح أو حصره بيد الدولة، وهنالك فرق بين المصطلحين، دمج السلاح وحصره بيد الدولة أي بمعنى سحب السلاح من تلك الفصائل وجعله في مخازن أو مستودعات الحكومة سواء وزارة الدفاع أو الحشد الشعبي أو قوى الأمن الداخلي أما نزع السلاح فهو حقيقة تجريد تلك الفصائل من هذا السلاح سواء كان ثقيلا أو متوسطا أو خفيفا ووضعه تحت حماية دولية أو اتلافه أمام الملأ لأن وجوده في المستودعات العسكرية ممكن السيطرة عليه مرة ثانية هذا هو التلاعب بالألفاظ هذا من ناحية".
إلى ذلك، يقول السامرائي: "المطالبة بالضمانات تنبع من شعور هذه الأذرع المسلحة بالقلق على مصيرها القانوني والأمني، إذ إنها ارتكبت جرائم ضد جنود أمريكان من خلال قواعدها في السابق، كما ارتكبت جرائم بحق مدنيين عراقيين. هذه الانتهاكات تجعلها تخشى أن يؤدي تسليم السلاح إلى ملاحقتها قضائياً أو استهداف قادتها لاحقاً، وهو ما يفسر تمسكها بالضمانات قبل أي خطوة لتسليم أسلحتها".
ويزيد: "أما ربط السيادة بمصير الفصائل، فهو طرح سياسي إعلامي يُستخدم لإعادة تعريف مفهوم السيادة بما يخدم بقاء السلاح خارج إطار الدولة. حيث يتم تقديم الفصائل على أنها حامية السيادة، وبالتالي يصبح أي حديث عن حصر السلاح بيد الدولة وكأنه تنازل سيادي، في حين أن المفهوم الدستوري للسيادة يفترض العكس تماماً. هذا الربط ليس قانونياً بقدر ما هو خطاب تعبوي يهدف إلى كسب شرعية شعبية في مواجهة الضغوط المتزايدة".
تسريبات بضربات وشيكة
ووسط كل هذه الضجة، جاء تقرير لصحيفة الشرق الأوسط تقول فيه نقلا عن مصادر إن الحكومة العراقية تلقت خلال الأسبوعين الماضيين رسالتي تحذير من دولة عربية وجهاز استخبارات غربي تضمنتا معلومات جدية عن اقتراب تنفيذ ضربات عسكرية واسعة في العراق، ورغم أن جهاز المخابرات العراقي نفى الخبر جملة وتفصيلا إلا أنه أثار ضجة كبيرة وقلقا داخليا لا سيما أن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين كان قد نوه إلى أن خطر التهديدات الإسرائيلية لا يزال قائما.
الخبير الأمني غني الغضبان يرى أن هذا الموضوع وهو حقيقة قابع قوسين أو أدنى رغم أنه هنالك نفي من الأجهزة الأمنية بموضوع واستلام رسائل أو تقارير من قبل الخارجية الأمريكية وأن هذه التهديدات تهديدات غير حقيقية، مضيفا: "الكاشف والباحث يرى أن هذه التهديدات حقيقية وعلى الجميع أن يخضع إلى ما تريده الولايات المتحده الأمريكية".
في حين يعتقد الكاتب السياسي عامر السامرائي أن نفي جهاز المخابرات العراقي يأتي في إطار إدارة الرأي العام بمعنى منع الهلع، لكنه لا يعني بالضرورة أن السيناريو مستبعد بالكامل، قائلا: "التجارب السابقة تشير إلى أن الضربات غالباً ما تأتي في ظل نفي رسمي، خصوصاً عندما تكون الضربات محدودة أو انتقائية".
ويردف: "أما بخصوص احتمال توجيه ضربات خصوصاً وأن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أكد ذلك، فلا يمكن استبعاد ذلك. وحين تقرر إسرائيل القيام بها، فمن المرجح أن تكون دقيقة ومركزة، وتُبرزها على أنها استهداف لمواقع غير سيادية. ويبقى التصعيد قائماً، لأن إسرائيل، مدعومة بالولايات المتحدة، قد قررت تفكيك أذرع إيران في المنطقة بشكل عام، بهدف توسيع دائرة الأمن على حدودها وضمان مصالحها الاستراتيجية".
زيارة سافايا إلى العراق
على صعيد متصل، كشف مصدر حكومي مطلع، الاحد، عن قرب زيارة مبعوث الرئيس الأمريكي مارك سافايا على رأس وفد من الإدارة الأمريكية إلى بغداد، لبحث عدد من الملفات التي تتعلق بطبيعة العلاقة بين واشنطن وبغداد في المرحلة المقبلة، فضلا عن بحث حلول للأزمات، مبينا أن سافايا سيحمل معه رسائل أمريكية للقوى العراقية من بينها نتائج العمل حول بعض القضايا والملفات المتفق عليها بين بغداد وواشنطن، بالإضافة إلى كيفية التعاطي مع المرحلة المقبلة وفق قاعدة الشراكة الأمنية وتسليح القوات العراقية، وخطط التسليح.
وفي ظل متغيرات مهمة على صعيد العلاقة الأمنية بين بغداد وواشنطن، بعد إقرار الكونغرس الأميركي لموازنة الدفاع لعام 2026، التي اشترطت استمرار التمويل الأمني للعراق بتنفيذ ثلاث خطوات رئيسية، وصلت الكولونيل ستيفانا باغلي إلى العراق لتباشر مهامها الجديدة كمديرة لمكتب التعاون الأمني الأمريكي.
الغضبان تعقيبا على هذا التطور يقول: "نعم نلاحظ أن هنالك وفود تأتي وأخرى تذهب وهنالك تسميات عسكرية حضرت إلى العراق، وحقيقة هذه كلها دلائل ومعطيات بأن هنالك ضغط واقعي وصريح ومباشر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي تريد العراق دون فصائل ودون أسلحة خارج أسلحة الدولة".
من جانبه، يقول السامرائي إن زيارة سافايا إلى بغداد باتت محل اهتمام وترقب على المستويين الرسمي والشعبي أيضاً، ومن المرجح أن تحمل رسائل باتجاهين:
الرسالة الأولى ستكون موجهة إلى حكومة الإطار التنسيقي، وتتمحور حول ضرورة تفكيك الفصائل وتسليم سلاحها ومحاسبة المتورطين بارتكاب جرائم ومحاسبتهم، إلى جانب الحد من النفوذ الإيراني في العراق.
الرسالة الثانية ستكون للفصائل نفسها، ومفادها أن هامش المناورة بات ضيقاً، وأن المرحلة المقبلة لا تسمح باستمرار الوضع القائم، لا سيما في ظل المتغيرات الإقليمية والضغوط الأمريكية والتهديدات الإسرائيلية".
وفي ظل هذه التطورات الحاصلة في العراق والضغوط الخارجية يبقى السؤال الأهم: رضوخ بعض الفصائل استسلام أم مناورة؟
ستيب نيوز: سامية لاوند
