بين مؤشرات عسكرية تلوح في الأفق، وتحركات سياسية وأمنية معقّدة، يقف شمال شرقي سوريا على مفترق طرق خطير، بدأت من اجتماعات رفيعة المستوى في أنقرة، مع تصاعد مطالب قوات "قسد" من جهة والتلويح بورقة العشائر من جهة ثانية، تبدو الساحة كبرميل بارود ينتظر شرارة، لكن خبراء يحذرون من الانزلاق نحو مواجهة شاملة، بوجود أوراق ضغط لدى "قسد" من جهة ولدى الحكومة السورية من الجهة الثانية.
هل من عمل عسكري مقبل ضد "قوات قسد"
تحركت مؤخراً القوات الحكومية السورية بشكل يوحي بالاستعداد لمعركة ضد قوات "قسد"، بعد فشل التوصل لتفاهم وتطبيق اتفاق 10 آذار، رغم تأكيد "قسد" على أنها ماضة في تنفيذه.
وجاءت تصريحات تركية لتصب "الزيت على النار"، حيث نقلت وسائل إعلام عن مصدر بوزارة الدفاع التركية قوله إن "قوات سوريا الديمقراطية لم تف بأي من الشروط المنصوص عليها في اتفاق مارس الفائت مع دمشق بشأن دمج "قسد" في أجهزة الدولة السورية، مشدداً على أن أنقرة تتوقع أن تحترم الاتفاق على وجه السرعة".
يأتي ذلك فيما قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الأربعاء، إن على وحدات حماية الشعب الكردية، التي تقود قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، التوقف عن المماطلة والالتزام باتفاق الاندماج مع الحكومة السورية.
كما تابع فيدان خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره السوري أسعد الشيباني في أنقرة، أن "على وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية التوقف عن سياسة كسب الوقت"، مضيفاً: "تعاملنا مع (هذه العملية) بنوايا حسنة لا يعني أننا لا نرى حيلكم".
وحول ذلك أوضح العميد أحمد رحال، الخبير العسكري والاستراتيجي أن جميع المؤشرات الحالية تدل على أن المنطقة قد تكون مقبلة على عمل عسكري، مشيرًا إلى أن الاجتماع الأخير الذي جمع وزارات الداخلية والخارجية ورئيس الاستخبارات التركية، بالإضافة إلى اتفاقية التعاون العسكري، فُسِّر لدى البعض على أنه خطوة تمهيدية لعملية عسكرية محتملة.
ويضيف: "التحرك العسكري والتلويح بالسلاح ليس بالضرورة استعداد للقتال، فقد يكون ورقة ضغط لتحقيق أهداف سياسية أو – في مرحلة لاحقة – أهداف عسكرية".
وكانت تركيا التي دعمت لسنوات فصائل عسكرية بالمنطقة تلوّح بعملية عسكرية تساند خلالها قوات الجيش السوري والفصائل التابعة له ضد قوات "قسد" إذا اقتضت الحاجة.
أوراق ضغط يملكها الطرفان
ويبدو المشهد شمال شرق سوريا أكثر تعقيداً من أي عملية عسكرية أخرى تدخلت بها القوات الحكومية، حيث تعد "قسد" قوات عسكرية منظمة منذ سنوات وتعمل إلى جانب التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، والذي بدوره يعتبرها "شريكاً" بالمنطقة.
يقول العميد رحال: " وجود العامل الأمريكي في المنطقة، إلى جانب قوات التحالف الدولي ووجود ما يقارب عشرة آلاف سجين من تنظيم داعش، يشكل عاملًا معقدًا يحدّ من خيارات التصعيد". ورغم أن جميع الاحتمالات تبقى مطروحة، فإنه يرى أن الوصول إلى مواجهة مسلحة يبقى احتمالًا صعبًا للغاية في ظل هذه المعطيات.
أكد رحال أنه يعارض أي عمل عسكري، ويؤمن بالحوار والتفاوض للتوصل إلى حلول، محذرًا من أن الشعب السوري سيكون الخاسر الأكبر في أي حرب جديدة على الأرض السورية. وشدد على ضرورة إعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع السوري بدلًا من إضافة كارثة جديدة إلى سجل الصراعات.
ويرى مراقبون أن تحرك القوات الحكومية السورية قد يعيد للأذهان ما جرى في الساحل السوري أو السويداء، حيث وقعت انتهاكات كبيرة، كانت تلك القوات جزء منها، وقد تؤدي مثل هذا التحرك لمزيد من الشرخ بين مكونات المجتمع السوري، في وقت حساس، ارتفعت خلاله حدّة الخلافات الطائفية والمناطقية بالبلاد.
وتطرق الخبير إلى مسألة استخدام ورقة العشائر، واصفًا إياها بأنها سلاح ذو حدين، إذ يمكن أن تمثل قوة عسكرية إضافية، لكنها في الوقت نفسه قد تؤدي إلى انقسامات خطيرة، خاصة أن بعض العشائر موالية للحكومة السورية بينما يقف آخرون إلى جانب "قسد".
كما لفت إلى أن "قسد" تمتلك قدرات عسكرية ضخمة، تقدر بنحو 100 ألف مقاتل، إلى جانب دبابات وعربات قتالية وصواريخ محمولة على الكتف، إضافة إلى تدريبات على عمليات الإنزال. لكنه أكد أن ذلك لا يقلل من قدرات "الجيش السوري الجديد"، موضحًا أن أي مواجهة لن تكون سهلة للطرفين.
وأشار إلى أن غياب التوافق الأمريكي–التركي يجعل وقوع مواجهة مباشرة أمرًا مستبعدًا، مذكرًا بأن جميع العمليات العسكرية التركية السابقة التي تمت بدعم من "الجيش الوطني" كانت قد حصلت على ضوء أخضر مسبق.
هل من حلول سياسية تلوح بالأفق؟
يبقى الاتفاق السياسي الذي وقعه الرئيس السوري أحمد الشرع، وقائد قوات "قسد" مظلوم عبدي، هو المرجعية الأولى بأي تفاهم بين الطرفين، إلا أن التصعيد بحسب الرواية الحكومية هو بسبب تأخر تنفيذ بنود الاتفاق كاملة واندماج "قسد" بالقوات الحكومية والسماح لمؤسسات الدولة بالعمل ضمن مناطق شمال شرقي سوريا، بينما ترى قوات "قسد" أن الحكومة غير جادّة بإيجاد حلول جذرية تراعي تطلعات المجتمع الكردي.
وفيما يتعلق بفرص اندماج قسد بالجيش السوري الجديد، أوضح رحال أنه لم يعد يرى إمكانية حقيقية لاندماج "قوى علمانية مع أخرى جهادية إسلامية"، معتبرًا أن جمعهما في إطار واحد أو لتنفيذ مهمة مشتركة أمر بالغ الصعوبة.
وتوقع أن تكون الحلول السياسية – مثل اللامركزية أو الحكم الذاتي أو ترتيبات أخرى – هي السيناريو الأقرب في المرحلة المقبلة، كبديل عن الحرب أو المواجهة المسلحة.
ومؤخراً عقد اجتماع في الحسكة شمال شرق سوريا، رعته قوات "قسد" بهدف تقديم وجهة النظر الخاصة بها، وانضم إليه عدد من المكونات من مناطق أخرى، طالب فيه المجتمعون بحكم لا مركزي في سوريا، ودستور يراعي متطلبات المجتمع، وعدم احتكار السلطة بفئة واحدة، ومطالب أخرى.
بينما انتقدت الحكومة السورية هذا المؤتمر واعتبرت أنه محاولة للالتفاف على اتفاق آذار، وقال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني حوله "إن قوات سوريا الديمقراطية تسعى إلى استغلال أحداث السويداء". كذلك وصف المؤتمر بأنه انتهاك لاتفاق دمج "قسد" في مؤسسات الدولة.
يشار إلى أن الاتفاق الذي وقع بين الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في العاشر من مارس، كان نص على دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية شمال شرقي البلاد في إطار الدولة السورية ومؤسساتها العسكرية، وجرت عدة اجتماعات تلته بين وفود فنية من الطرفين لاستكماله، إلا أن أحداث السويداء جنوب سوريا تسببت بتراجع الثقة بين الجانبين.
ورغم أن أطرافاً دولية بينها فرنسا والولايات المتحدة تحاول بناء الثقة بينهما، وجرى في باريس اجتماع لهذا الغرض، إلا أن دخول تركيا على خط المواجهة وعودة الحديث عن التصعيد العسكري، رفع مستوى التوتر من جديد، بالوقت الذي ينتظر أبناء المنطقة حلولاً جذرية لو طبّقت بشكل سلمي قد تكون نموذجاً للحل في العديد من المناطق الأخرى داخل سوريا.
[caption id="attachment_650451" align="alignnone" width="2405"]

هل تنفجر المواجهة بين دمشق و"قسد"؟.. خبير عسكري يتحدث عن أوراق ضغط لدى الطرفين[/caption]