تشهد المنطقة العربية والإسلامية جدلاً متجدداً حول إمكانية إنشاء قوة عسكرية مشتركة، شبيهة بحلف "الناتو"، تكون مهمتها الدفاع عن الدول الأعضاء وردع التهديدات الخارجية، في وقت تتزايد فيه التحديات الأمنية، بدءاً من الاعتداءات الإسرائيلية، مروراً بالتمدد الناعم لبعض دول الإقليم، وصولاً إلى الضغوط الدولية التي تحدّ من استقلالية القرار العربي.
وهذا الطرح ليس وليد اللحظة؛ فقد عادت النقاشات حوله للظهور عقب الاعتداء الإسرائيلي الأخير على قطر، في خطوة أثارت قلقاً إقليمياً من احتمالات توسع دائرة المواجهة. ومن هنا طُرحت فكرة "الناتو العربي/الإسلامي" كإطار دفاعي موحّد يضمن الأمن الجماعي ويعيد التوازن إلى الإقليم، لكن أمام ذلك عدة معوقات وتحديات.
فكرة متكررة لم تُنفذ
تقارير صحفية عربية وغربية نقلت أن القاهرة أعادت طرح المقترح الذي رُوِّج لأول مرة عام 2015 في قمة شرم الشيخ، بعد الضربة الإسرائيلية على الدوحة قبل أيام، لتضع هذا السيناريو على طاولة القمة العربية الطارئة بقطر خلال اليومين القادمين.
حول ذلك يرى الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط ومدير مركز القادة للدراسات السياسية، هشام البقلي، خلال حديث لوكالة ستيب نيوز أن "فكرة إنشاء قوة عربية مشتركة ليست جديدة، فقد طُرحت مراراً على مدار العقود الماضية".
ويشير إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان قد دعا قبل نحو عشر سنوات لتأسيس مثل هذه القوة لمواجهة التحديات الإقليمية، غير أن الاستجابة لم تتحقق في ذلك الوقت.
ويضيف البقلي أن الطرح بات أكثر واقعية اليوم "في ظل ما تتعرض له الدول العربية والإسلامية من تهديدات مباشرة تمس الأمن القومي العربي بشكل عام"، مشدداً على أن الظروف الحالية قد تكون أكثر ملاءمة لجدية النقاش.

القيادة والشرعية السياسية
من الناحية السياسية، يعتقد البقلي أن قيادة المبادرة لن تكون ممكنة من دون محور القاهرة – الرياض، باعتبار أن "مصر والسعودية تتمتعان بثقل سياسي كبير على المستويين الإقليمي والدولي"، وهو ما يمنحهما شرعية دفع المشروع إلى الأمام. هذه الثنائية سبق أن أثبتت قدرتها على إدارة ملفات استراتيجية في المنطقة، من التحالف العربي في اليمن، إلى التنسيق في القمم العربية والإسلامية.
عقبات التنفيذ: السياسة قبل المال والسلاح
رغم الحماس النظري، يرى البقلي أن العقبات الكبرى أمام المشروع تظل سياسية بالدرجة الأولى.
ويوضح: "هناك دول في المنطقة ليست صاحبة قرار سيادي كامل، إذ تملى عليها قرارات من قوى خارجية، ما يعقّد بناء موقف موحد".
إلى جانب ذلك، من المتوقع أن يواجه المشروع رفضاً أمريكياً مباشراً، إذ ترى واشنطن نفسها "الحليف الأمني الأول" لمعظم الدول العربية، وتعتبر أن تشكيل قوة عربية مشتركة "سيؤثر سلباً على الدور الذي رسمته لنفسها كحامية لهذه الدول".
أما من الناحية المالية والعسكرية، فيرى البقلي أن التحديات أقل وطأة ويقول: "لا توجد مشكلة مالية نظراً لقدرات بعض الدول العربية، كما أن وجود جيوش قوية مثل الجيشين المصري والجزائري والسعودي يجعل تحقيق الهدف العسكري ممكناً".

الشكل الأمثل للقوة: دائم أم طارئ؟
من الناحية العملية، يطرح البقلي خيارين: قوة دائمة بجيش موحد، أو قوة تدخل طارئة تُفعل عند الحاجة.
ويقول: "رغم أن الأفضل هو قوة دائمة، إلا أن صعوبة التنفيذ حالياً تجعل البدء بقوات طارئة أكثر واقعية، مع ضرورة إعطاء أولوية لتنسيق الدفاع الجوي المشترك ومنع مرور الطائرات الحربية لأي طرف في حالة حرب مع دولة من دول التحالف".
فيما يتعلق بحجم القوة، يرى الخبير أن الأمر يعتمد على طبيعة التشكيل. ويضيف: "إذا كانت قوة دائمة، فإنها تحتاج إلى نحو مليون جندي. أما إذا كانت قوات طوارئ، فقد يكفي وجود فرق قتالية متخصصة".
ويشدد البقلي على أن جميع الأفرع مطلوبة (برية، جوية، بحرية)، مع إعطاء أهمية خاصة للقوات الجوية "التي باتت حاسمة في المعارك الحربية المعاصرة"، داعياً إلى تطوير سلاح الطيران في الدول المشاركة.
الأطر القانونية: شرعية أممية أو إقليمية
من أجل منح القوة غطاءً قانونياً، يقترح البقلي خيارين: الأول يتمثل في الحصول على تفويض من مجلس الأمن الدولي، وهو ما يمنح شرعية أممية قوية، أما الثاني فهو إبرام معاهدة إقليمية بين الدول الأعضاء تحدد المهام وقواعد الاشتباك وشروط التدخل العسكري.
يقول البقلي: "إقليمياً، سيكون لتشكيل القوة انعكاسات متباينة. فإذا كانت عربية فقط، فإن تركيا وإيران قد تتقبلان الأمر طالما لم يتقاطع مع مصالحهما المباشرة. أما إسرائيل، فستكون المستهدف الأول".
ويرى الخبير أن تل أبيب ستسعى جاهدة لإفشال المشروع عبر الضغط على واشنطن للتحرك بقوة ضده.

المواقف الدولية: رفض أمريكي وفرصة روسية – صينية
يتوقع البقلي أن "تعارض الولايات المتحدة المشروع بشكل صريح، لأنه يرتبط بردع إسرائيل".
وفي المقابل، قد تجد روسيا والصين في هذه المبادرة فرصة لتعزيز وجودهما في الشرق الأوسط، ويقول: "من المحتمل أن تدعم موسكو وبكين التحالف، ليس فقط سياسياً، بل أيضاً عبر بيع الأسلحة، خاصة إذا امتنعت واشنطن عن ذلك".
الخطوات العملية
من الناحية التنفيذية، يطرح البقلي خريطة طريق تبدأ بتشكيل هيئة تحضيرية من وزارات الدفاع والخارجية في الدول المعنية، يليها إنشاء مركز استخبارات مشترك للتنسيق الأمني والمعلوماتي، فضلاً عن تحديد آليات التمويل وإقامة تدريبات عسكرية دورية مشتركة.
كما يشدد على ضرورة وضع إشراف سياسي واضح يحدد الأهداف الدفاعية والهجومية على حد سواء.
وإجمالاً، تبدو فكرة "الناتو العربي – الإسلامي" اليوم أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، لكنها في الوقت نفسه أكثر تعقيداً في ظل تشابك المصالح الإقليمية والدولية. فإذا ما تمكنت القاهرة والرياض من قيادة مشروع يحظى بغطاء سياسي وقانوني واضح، فقد يشكل ذلك نقطة تحول في معادلات الأمن الإقليمي. لكن، وبحسب هشام البقلي، فإن النجاح سيظل رهناً بقدرة الدول العربية على تجاوز العقبات السياسية والتوافق على رؤية موحدة، وهي مهمة ليست بالسهلة في بيئة تعجّ بالانقسامات والاصطفافات.
شاهد أيضاً: