في خضمّ صخب الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، خطف اجتماع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع قادة وزعماء من العالمين العربي والإسلامي الأضواء، بعدما أعلن أن هدفه إنهاء الحرب في غزة. الاجتماع، الذي غابت عنه إسرائيل، بدا خطوة استعراضية تحمل في طياتها الكثير من الرسائل السياسية، لكن خلف هذا المشهد تكمن أسئلة أعمق عن جدوى أي خطة جديدة، في ظل عراقيل إسرائيلية واضحة، وانقسامات فلسطينية، وتجارب سابقة لم تفضِ إلى سلام دائم.
منابر الأمم المتحدة والبحث عن مخرج
الاجتماع عُقد على هامش أعمال الجمعية العامة، وشارك فيه قادة من السعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن وتركيا وباكستان وإندونيسيا، وترامب افتتح اللقاء بتصريحات مقتضبة أمام الصحفيين قائلاً: “نريد إنهاء حرب غزة، نعمل على ذلك، ويمكن إنهاؤها الآن”، قبل أن يغلق النقاش للإعلام ويترك المجال للمداولات المغلقة، كما أنه جاء بعد سيل اعترافات بالدولة الفلسطينية من قبل دول العالم برعاية سعودية وفرنسية.
وبينما وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاجتماع بأنه “مثمر جداً”، شدّدت وكالة الأنباء الإماراتية (وام) على أن البحث انصبّ حول ثلاث نقاط: وقف الحرب، وإطلاق سراح الرهائن، ووضع أسس لإدارة إنسانية وسياسية لقطاع غزة.
ويشرح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور عبد الحكيم القرالة خلفيات الاجتماع ودلالاته، خلال حديث لوكالة ستيب نيوز قائلاً: “دلالات انعقاد هذا المؤتمر وهذا الاجتماع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع القادة العرب والمسلمين تأتي في ظل حراك دولي متصاعد حول القضية الفلسطينية، ومع موجة اعترافات متتالية من قبل قوى وازنة".
ويضيف: "العرب والمسلمون يحاولون استثمار هذه الفرصة لزيادة الضغط، وخصوصاً على الولايات المتحدة الأميركية، التي تبقى الطرف الوحيد القادر على الضغط الحقيقي على دولة الاحتلال لإجبارها على وقف الحرب والعودة إلى مسار سياسي يقوم على إحياء عملية السلام”.
ويؤكد أن هناك تحفظاً عربياً كبيراً على أن يكون للقوات الأميركية أو قوات عربية دور مباشر في إدارة غزة"، مشيراً إلى أن الدول العربية أعلنت مراراً رفضها لمثل هذه السيناريوهات، فبالتالي يمكن أن يكون دورها محصوراً في إعادة الإعمار، وهو أمر ممكن ومطروح.
ويتابع: "أما في الجانب الإسرائيلي، فمن المؤكد أن إسرائيل ستضع العراقيل؛ لأنها تشترط الانسحاب الكامل وفق رؤيتها الخاصة، وتطالب بإدارة انتقالية بلا حماس، وتسليم الحركة سلاحها بالكامل، وعدم وجود أي أثر لها داخل غزة. هذه المحددات كلها تشكّل عراقيل جدية أمام نجاح أي اتفاق، ما لم تتوافر إرادة أميركية قوية للضغط على حكومة نتنياهو المتطرفة كي توافق أو ترضخ للخطة”.

الخطة الأميركية الجديدة "خطة ريفيرا"
بحسب ما سرّبته وسائل إعلام أميركية وإسرائيلية، تتضمن خطة ترامب أربعة محاور رئيسية: وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن، وانسحاب إسرائيلي تدريجي من غزة، وإنشاء إدارة انتقالية لمرحلة ما بعد الحرب، تُستبعد منها حماس بشكل كامل.
ولكن بعض التقارير تشير إلى أن ترامب لم يوضح كيف ستتم عملية إعادة الإعمار أو دخول قوات عربية أو دولية للقطاع ونزع سلاح حماس، وهل سيطرح مجدداً تهجير سكان غزة حتى اكتمال المشروع، وفق خطة "ريفيرا الشرق الأوسط" التي طرحها بوقت سابق
اليوم، يظهر أن خطة ترامب تحمل أوجه تشابه مع تلك المبادرة، لكنها قد تواجه عراقيل.
الموقف الإسرائيلي: "نزع حماس أولاً"
إسرائيل لم تشارك في الاجتماع، لكن تصريحات مسؤولين فيها تعكس بوضوح موقفها، فحكومة بنيامين نتنياهو ما زالت تصرّ على أن أي تسوية يجب أن تضمن نزع سلاح حماس بالكامل، وإبعاد قادتها عن المشهد، ومنع عودتها إلى الحكم بأي شكل.
وبحسب ما نقلت صحيفة هآرتس، فإن إسرائيل ترى أن أي انسحاب يجب أن يكون مشروطاً بإشراف أمني يضمن أمن المستوطنات والحدود الجنوبية.
وهذا الموقف يجعل من الصعب تنفيذ أي خطة أميركية ما لم يتم التوصل إلى آلية تفرض على حماس التخلي عن قوتها العسكرية، وعلى إسرائيل سحب قواتها كاملة من القطاع.
في المقابل، ترفض حركة حماس أي خطط تستبعدها من غزة أو تدعو إلى نزع سلاحها.
الحركة تعتبر نفسها جزءاً أصيلاً من المشهد الفلسطيني، وتؤكد أن أي محاولة لتهميشها ستفشل.
وحدة عربية – إسلامية: رسالة رمزية قوية
رغم أن التفاصيل الفنية للخطة لا تزال غامضة، إلا أن اجتماع هذا العدد من القادة العرب والمسلمين مع ترامب بحد ذاته شكّل رسالة سياسية قوية، والرسالة مفادها أن هناك موقفاً موحداً يتبلور، يطالب بوقف الحرب فوراً، وبانخراط أميركي أكثر جدية.
ويدفع هذا الموقف ما قامت به إسرائيل مؤخراً حين قصفت مقر وفد حماس المفاوض معها في العاصمة القطرية الدوحة، وهو ما أثار غضب قطر الحليفة للولايات المتحدة، ودعم الرؤية العربية حول ضرورة إيجاد حلول لمأساة غزة من جهة ولمواجهة إسرائيل التي باتت تستبيح وتهدد الدول العربية من جهة ثانية.
الدكتور القرالة يرى أن هذه الرمزية لا يمكن الاستهانة بها ويقول: “مشاركة الدول العربية والإسلامية رسالة قوية لإدارة ترامب بأن هناك توافقاً عربياً وإسلامياً متنامياً".
ويضيف: "هذا يزيد من الزخم ويقوي الموقف الداعم لفلسطين. لكن الموضوعية تفرض القول إن التأثير الأكبر يبقى بيد الولايات المتحدة، راعية هذا الاجتماع وصاحبة الخطة، وبيد إسرائيل التي تتحكم بالفعل الميداني على الأرض. أما العرب والمسلمون، فرغم مشاركتهم، فسيكون دورهم محدوداً إذا لم تقم واشنطن بضغط حقيقي على تل أبيب”.
تحديات "اليوم التالي": الانقسام الفلسطيني والتعقيدات الميدانية
إحدى المعضلات الرئيسية هي ما يُعرف بـ"اليوم التالي للحرب"، فحتى لو تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، يبقى السؤال: من سيدير غزة؟ وهل هناك توافق فلسطيني داخلي على سلطة مدنية موحدة؟
يقول القرالة: “هناك تحديات كبيرة ستقف عقبة في وجه أي خطة. هل الإدارة الأميركية لديها الإرادة الحقيقية للضغط على إسرائيل؟ هل الجانب الإسرائيلي سيقبل فعلاً؟ هل سيكون هناك توافق فلسطيني داخلي على الجهة التي ستدير القطاع؟ هذه كلها أسئلة مفتوحة. دون إجابات واضحة".
ويتابع: "ستظل الخطة حبراً على ورق، والميدان يظل عاملاً حاسماً؛ فإسرائيل مستمرة في عملياتها العسكرية، وهذا يجعل من الصعب الحديث عن انتقال سلمي نحو أي إدارة مدنية جديدة”.
بين الأمل والواقع
الاجتماع منح العرب والمسلمين فرصة لإظهار وحدتهم الرمزية، ومنح ترامب لحظة سياسية ليقدّم نفسه كوسيط سلام عالمي، لكن الواقع لا يزال معقداً: إسرائيل رافضة، وحماس متمسكة بدورها، والفلسطينيون منقسمون.
كما يختتم الدكتور القرالة رؤيته قائلاً: “بكل موضوعية، ربما يبقى التأثير العربي والإسلامي محدوداً، بينما الدور الحاسم سيكون للإدارة الأميركية ولدولة الاحتلال. دون إرادة حقيقية من واشنطن للضغط، ودون قبول فلسطيني داخلي بتسوية شاملة، فإن التحديات الكبيرة ستظل عقبة أمام نجاح أي خطة”.
إعداد: جهاد عبد الله - ستيب نيوز