تحقيقات ستيب

تحقيق يكشف شبكات تقودها ميليشيات تابعة للنظام السوري تمتهن العمل في الدعارة

ميليشيات تابعة للنظام السوري تمتهن العمل في الدعارة

كيف امتهنت الميليشيات العمل في الدعارة؟

 

وحده الفقر يورث المواجع لأصحابه، فماذا لو جاء هذا الفقر ببلدٍ أنهكته الحرب، وتنتشر فيه الجماعات المسلحة مختلفة الايدلوجيات والتبعيات الدينية والمذهبية والعرقية وغيرها.

تحقيق يكشف شبكات تقودها ميليشيات تابعة للنظام السوري تمتهن العمل في الدعارة
تحقيق يكشف شبكات تقودها ميليشيات تابعة للنظام السوري تمتهن العمل في الدعارة

المصيدة.. المرحلة الأولى

 

عندما تذهب فتاة فقيرة لتجري مقابلة عمل في أحد محلّات الألبسة، ورغم أنها خريجة جامعية إلا أن فرص العمل لم تعد متوفرة، وتنساب مجريات المقابلة المفترضة من عمل في محل ألبسة إلى العمل في الدعارة، وهنا تبدأ القصة.

 

في حديث لوكالة ستيب الإخبارية مع مصدر محلي من حلب، فضّل عدم الكشف عن اسمه، ذكر بأن قصص استدراج الفتيات باتت شائعة ومعروفة، حيث تبدأ قصة استغلال الفتيات عبر إعلان يتم وضعه في الصحف والطرقات عن طلب عدد من السكرتيرات والموظفات للعمل ضمن معمل خياطة أو محلٍ تجاري ما وبراتب ودوام مغري.

 

ويتابع المصدر بأن معظم الإعلانات تشترط أن تتمتع الفتاة بمظهر لائق، وعند توجه الفتاة إلى العنوان المكتوب لإجراء مقابلة العمل تتفاجأ بعد دخولها المكان بوجود عدد من الفتيات جالسات دون عمل ونظراتهن لا تشعر بالارتياح وحتى ملابسهن ونوع “الماكياج” يعطي شيئاً من الريبة والشك في نفس الفتاة.

 

وينقل المصدر معلومات من إحدى الضحايا بأن أحد أبرز الأماكن الذي يعمل بهذا الأسلوب موجود في منطقة سيف الدولة وهو مرخص من قبل حكومة النظام السوري على أنه منشأة صناعية.

 

ويتابع تفاصيل طريقة الإيقاع بالضحية، بأن صاحب العمل، وهو غالباً مجرد واجهة لشخصيات كبيرة أخرى، يعرض على الفتيات أن تعمل محاسبة له وترافقه في كافة أعماله أو يعرض عليها العمل مساعدة له في نادي رياضي بحي الموكامبو.

 

ويلفت أن الرجل عادةً يعرض على الفتاة التي تعجبه رواتب عالية تبدأ من مائة ألف ليرة سورية أسبوعياً مقابل نيل موافقتها علما أن بعض الفتيات يتم رفضهم من البداية بسبب مظهرهم الغير مناسب.


المرحلة الثانية.. وقعت الضحية في الشباك

 

وبعد إيقاع الضحية وإغرائها بالعمل، ستتعرف على أن ما وافقت عليه لم يكن مجرد وظيفة عادية، حيث ستعمل الفتيات الموجودات بالمكان على إخبار الضحية بأنها ستقدم خدمات “جنسية” مقابل هذا المبلغ من المال.

 

ولعل هذا الأسلوب لا يتم خلال مرحلة واحدة، حيث يؤكد المصدر بأنها تتم عبر مراحل، والمرحلة قبل الأخيرة تكون عبر إعطاء جرعات من المخدرات للضحية من خلال الشراب أو الطعام، ثم تقديمها لأول “زبون” وتوثيق ذلك بالتصوير ليتم بعدها ابتزاز الفتاة بالصور.

 

إحدى الضحايا شرحت لمصدرنا بأنه بعد وصول المرحلة الأخيرة لا تعد الفتاة تملك “جسدها”، حيث ستجبر على العمل بالشكل الذي يريده مديرها، وأضحت بانها ستنضم لفرق من فتيات أخريات منهن ضحايا مثلها وأخريات يمتهنّ العمل بهذه الشبكات.


المرحلة الثالثة.. العمل في الدعارة

 

وتقول الضحية سها، وهو اسم وهمي، بأنه ” بعد بدء الفتاة العمل في الدعارة يتم تشكيل مجموعات منهن كل مجموعة ما بين 3 إلى 5 فتيات ويتم توزيعهن بعدة مناطق معروفة في حلب مثل حي الشهباء وطريق الصنم وقرب مشفى الضبيط في حي المحافظة”.

 

وتتابع: ” كل مجموعة تترأسها امرأة فوق الأربعين من عمرها مع وجود فتيات معها من مختلف الأعمار، وإلى جانب مجموعة يوجد رجل يسمى “القواد” ومهمته حماية الفتيات في حال تعرض لهن أحد”.

 

وتعرض المرأة –رئيسة المجموعة- على السيارات والمارّة خدمات الفتيات التي معها وموصفاتهن، وفي حال استطاعت اصطياد “الزبون” تفاوض على مبالغ مالية بين  ١٠ آلاف ليرة إلى ٢٠ الف ليرة للساعة الواحدة وذلك حسب الفتاة المطلوبة.


أعداد كبيرة من “الجامعيات”

 

المصدر الذي تحدث لوكالة ستيب الإخبارية يؤكد بأن أعداد الفتيات بهذه الشبكات تجاوز المئات ولا يوجد أرقام واضحة وصريحة إلا أنها ازدادت أعدادهن خلال السنوات الأخيرة بسبب الفقر والتهجير والتشريد الذي تعرضت له العائلات، ويلفت إلى عدداً لا بأس به من الضحايا هنّ جامعيات.

 

ويشير إلى أن أعمار الفتيات بهذه الشبكات تبدأ من 16 سنة تقريباً ومعظمهن بحدود الـ 20 سنة من عمرهن، بينما توجد نساء في الثلاثينات وبعضهن في الأربعين، إلا أن التركيز من قبل “القواد” يكون على الفتيات القاصرات دون الثامنة عشرة باعتبارهن مصدراً وفيراً للمال أكثر من غيرهن.

 

وفي حديث لأحد أصحاب المحلّات التجارية، قرب المكان المذكور، ويدعى شادي، وهو اسم وهمي يقول: ” تفاجأت بعدد كبير من طالبات الجامعة عرضن أنفسهن عليه لقاء مبالغ مالية بين ٥ و١٠ آلاف ليرة، واعتقد أنهن مدفوعات من أحد ما”.


ناجيات من العمل في الدعارة

 

وفي حديث لـ”ستيب” تروي فتاة في التاسعة عشرة من عمرها، تدعى نيرمين، وهو اسم وهمي حفاظاً على سلامتها، قصة اختطافها وإجبارها على العمل في الدعارة بحلب.

 

وتقول: “اختطفت من قبل مجهولين يستقلون سيارة “مفيمة” قرب حي سيف الدولة أثناء عودتي لمنزلي، وتم اقتيادي لمكان مجهول حيث قام بالاعتداء علي من قبل عدد من الشبان”.

 

وتضيف: “من ثم اعطوني حقنة مخدرة أشعرتني ببعض النشوة وسببت لي لاحقاً الإدمان، حيث تبيّن أنها جرعة مخدرات، وبعدها بدأ التعامل معي من قبل سيدة في الأربعين من عمرها، كانت تتواصل معي للعمل بالدعارة وسط تهديد بضربي وتعذيبي في حال رفضت”.

 

وتتابع: “ومن ثم بدأت العمل مع مجموعة تقف قرب الجامعة لاصطياد الزبائن مقابل مبالغ مالية، ولم أتمكن من الهرب نتيجة وجود رجل يراقب تحركات الفتيات وحجز هوية الزبون لإعادة الفتاة قبل أن تهرب من قبضة أحدهم”.

 

وتلفت الفتاة إلى أنه استطاعت العودة إلى أهلها بعد أشهر ليقوم أهلها بإبلاغ الشرطة التي سجلت الحادثة ضد مجهولين بينما غادرت الفتاة حلب خوفاً على نفسها.


من يقف خلف شبكات العمل في الدعارة؟

 

وبالعودة للمصدر المحلي الذي تحدث لـ”ستيب” أكد أن هناك حالة الامتعاض والغضب لدى أهالي حلب نتيجة انتشار هذه الظاهرة، إلا أن أحداً لا يستطيع أن يجرؤ على الكلام أو الاعتراض أو حتى الشكوى، نتيجة علمهم بأن النظام وميليشياته يقفون بشكلٍ أو آخر خلف تلك الشبكات.

 

ويؤكد ذات المصدر أن معظم من يقوم بالعمل خلف شبكات الدعارة تلك هم قادات في ميليشيات محلية تخضع لحماية ضباط في النظام السوري ومنهم (سامر الديري، وعلي خبازة، مدوح فارس، لبيب أبرص) وهؤلاء من قادات ميليشيا الدفاع الوطني المعروفين في المدينة.


حوادث مشابهة ومتكررة لـ العمل في الدعارة

 

في الـ 25 من يونيو الفائت تناقلت صفحات موالية للنظام السوري تحذيرات من وجود نشاط لعصابة مجهولة تقوم باختطاف الفتيات من محيط جامعة حلب، ثم تجبرهن على العمل في الدعارة أو قتلهن وسرقة أعضائهن في حال قاومن.

 

أوردت حينها “وكالة ستيب” مقالةً عن إحدى الحوادث التي وقعت في تلك المنطقة، وتلخصت بوجود امرأة تحاول استجرار الفتيات إلى مكان ما بعيداً عن الأنظار ثم يقدم عدد من الشبّان على اختطافهن، لتبدأ بعدها ذات التفاصيل والقصة.

 

وفي الـ 24 من فبرابر من العام الجاري، كانت وكالة ستيب الإخبارية قد تحدثت بمقالٍ آخر عن أنَّ قاطني كلّ من أحياء باب النيرب والصاخور ومساكن هنانو، في مدينة حلب تقدموا بعدة شكاوي إلى قوى الأمن التابعة لقوات النظام السوري، مفادها وجود عدة شقق تعمل بمجال تجارة الجنس أو “الدعارة” في هذه الأحياء، إلا أن قوات النظام السوري طوت الأمر.

 

حيث تمّ مداهمة عدد من تلك البيوت واعتقال من بداخلها، ليُفرج عنهم بعد ساعات قليلة، بناءًا على طلباتٍ مباشرة من قبل قيادات في ميليشيا الدفاع الوطني.

 

وفي الـ 9 من أغسطس العام الفائت أوردت “ستيب” مقالةً أخرى فيها صورٌ تؤكد المزيد من تلك الحوادث، حيث اشتكى عدد من سكان حي العزيزية بحلب، من تواجد عدد من الفتيات في الشارع الرئيسي بالحي يقمن باصطياد الزبائن بقصد ممارسات غير أخلاقية مقابل مبالغ مالية تقدر ببضعة آلاف سورية.


وعلى الرغم من أن انتشار هذه الظاهرة لا يقتصر على حلب، حيث الأمر يكاد يكون مشابهاً وأعظم في العاصمة دمشق، إلا أن النظام السوري يحاول بين الفينة والأخرى إظهار أنه يحارب هذه الشبكات من خلال القبض على بعضٍ منها، أغلبها يكون غير “مسنود” من تلك الشبكات الكبيرة التي يرعاها قياديي النظام أنفسهم.

 

وتعتبر هذه الظاهرة قديمة ومتجددة، حيث كانت تأخذ طابعاً تجارياً قبيل اندلاع الاحتجاجات ضد النظام السوري، عندما كانت تنتشر بيوت “الدعارة” برعاية حكومة النظام السوري بشكلٍ أو آخر من باب تنشيط السياحة، أما بعد انتشار الميليشيات المسلحة عقب الثورة السورية، فقد باتت مناطق النظام السوري مرتعاً لبيوت الدعارة التي يرعاها قادة تلك الميليشيات، وتعتب باب رزقٍ لهم، وما زاد الطين بلة هو انتشار ظواهر الخطف والاستغلال والإجبار على العمل المهين بهذه الشبكات تحت تهديد القتل والتعذيب والتشريد بقوة السلاح.


 

خاص لوكالة ستيب الإخبارية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى