كانت منطقة عفرين بريف حلب الشمالي على مر العقد الأخير، والذي تخلّله أحداث الثورة السورية، لما مرت به من تبدل السيطرة فيها بين أطراف النزاع، وعدد من النقاط التي كانت علامات فارقة جعلتها بعدّة مواضع حديث سياسيي العالم وزعماءه.
وتقع المنطقة على ضفتي نهر عفرين بأقصى شمال غرب سوريا، وهي محاذية لمدينة أعزاز من الجهة الشرقية، ولمدينة حلب التي تتبع لها إدارياً من ناحية الجنوب، ومحافظة إدلب من جهة الجنوب الغربي، كما تحدها الحدود التركية من جهة الغرب والشمال.
[caption id="attachment_319462" align="aligncenter" width="1492"]

عفرين.. محطات هامة من لحظة خروجها من قبضة الأسد وصولًا لتهجير أهلها على يد المعارضة الموالية لتركيا[/caption]
وهي منطقة جبلية تبلغ مساحتها نحو 3850 كيلومترًا مربعًا "2% من مساحة سوريا"، ويبلغ عدد سكانها 523,258 نسمة بحسب إحصائية النظام السوري بالعام 2012، وكانت حين سيطرة الميليشيات الكردية عليها منفصلة جغرافياً عن بقية مناطق سيطرة الميليشيات على طول الحدود مع تركيا.
وتضم المنطقة نحو 350 قرية وبلدة صغيرة وكبيرة ومن أهمها، عفرين المدينة، جندريسة، بلبلة، شية، راجو، شرا، كما يوجد فيها سد 17 نيسان في منطقة ميدانكي، والذي يشكل خلفه بحيرة تعتبر موقع اصطياف وتنزه.
وهي مشهورة بإنتاج زيت الزيتون، وزراعة الحمضيات والكروم، كما تحتضن عدداً من المواقع الأثرية مثل قلعة سمعان وقلعة النبي هوري وتل عين داره والجسور الرومانية على نهر عفرين وجسر هره دره الذي بنته ألمانيا قبيل الحرب العالمية الأولى، إلى جانب مرور سكة الحديد القادمة من تركيا منها وصولاً إلى حلب المدينة.
[caption id="attachment_319460" align="aligncenter" width="1492"]

عفرين.. محطات هامة من لحظة خروجها من قبضة الأسد وصولًا لتهجير أهلها على يد المعارضة الموالية لتركيا[/caption]
منطقة عفرين خارج قبضة النظام السوري
خرجت المنطقة عن سيطرة النظام السوري في مطلع العام 2012، كسيطرة شكلية وعسكرية، بعد أن قام النظام السوري بتسليمها لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، والذي كان يتولى قيادته حينها، صالح مسلم، لكن مؤسسات الدولة وشعب التجنيد والانتخابات الرئاسية والبرلمانية كانت تقام فيها رغم خروج قوات النظام السوري بهدف تعزير الجبهات في أحياء مدينة حلب وريفيها الشمالي والغربي.
وقام النظام السوري بتسليم مقاطعة عفرين ومناطق شرق حلب والحسكة ذات الغالبية السكانيةالكردية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي لعدّة أسباب ، نذكر منها:
- لزيادة الشرخ بين العرب والأكراد عبر تعزيز الفكر الانفصالي الذي يتبناه الحزب في بناء دولة كردية تضم أجزاء واسعة من شرق وشمال سوريا.
- تحييد الأكراد عن الانخراط بالثورة السورية والانتفاضة الشعبية بعد خروج عدّة مظاهرات في مناطق كردية ضد النظام السوري مثل عامودا والدرباسية وعين العرب (كوباني) وعفرين، والتي أكدت على وحدة الشعب والأراضي السورية وتضامنت مع بقية المدن والمحافظات الثائرة .
- اتباع الحزب سياسة التجنيد الإجباري للشباب الكرد لضمان عدم انخراطهم بالعمل المسلح مع فصائل الجيش السوري الحر ضد النظام السوري، وإشغالهم بتبني أفكار الحزب الإنفصالية، ومحاربة وطرد فصائل الجيش الحر من المدن الكردية وقمع أي حراك شعبي ضد نظام الأسد.
وبهذا، كان النظام السوري نجح بجميع خططه بتحييد الكرد عن الانخراط بالثورة، ليبدأ حزب الاتحاد الديمقراطي بالدخول بتحالفات علنية مع النظام السوري ضد فصائل المعارضة.
كما سيطر الحزب على تجمعات سكانية عربية كاملة في مناطق شرق سوريا وجرف فيها القرى العربية وهجر سكانها لإحداث تغيير ديموغرافي، بالإضافة لقيام الحزب بمحاربة فصائل الجيش الحر كلواء التوحيد وكتائب الفاروق وغرباء الشام التي كانت متواجدة في أرياف حلب والحسكة والرقة .
وعمل الحزب على اغتيال واعتقال عدد كبير من الشخصيات الكردية المناهضة للنظام السوري والتي كان لها كلمتها بين الأهالي، واتهام العرب بتنفيذ هذه العمليات لتعميق الشرخ بينهم وبين الأكراد.
وفي فترة سيطرة الحزب الديمقراطي الكردي على مقاطعة عفرين، فرض الحزب سياسات صارمة على المدنيين العرب الداخلين للمدينة وفرض وجود كفيل على النازحين ،كما قام بفصل المنطقة جغرافيًا، وتمزيق الخريطة مابين ريف حلب الشمالي ومحافظة إدلب الخاضعتين لسيطرة المعارضة.
وساند حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الفصائل الشيعية وعناصر قوات النظام السوري المحاصرين في بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين عبر إمدادهم بشاحنات الطعام والمساعدات الطبية واللوجستية، وكسر طوق الحصار الذي فرضته الفصائل العسكرية على المدينتين المواليتين للنظام السوري.
وعمل الحزب على فرض التجنيد الإجباري على الفتيان والفتيات القاصرين في عفرين ما أدى لهجرة معظمهم لدول أوروبا، كما فرض الحزب ضرائب مالية على أشجار ومحاصيل الزيتون الذي يعد من أهم الزراعات التي تشتهر بها المدينة وريفها.
محطات خلال سيطرة الاتحاد الديمقراطي على عفرين
في مطلع العام 2016، بدأ النظام السوري وبمساندة جوية روسية ومشاركة ميليشيات شيعية إيرانية ولبنانية بعمل عسكري بريف حلب الشمالي بهدف فك الطوق الحصار الذي تفرضه فصائل المعارضة على بلدتي نبل والزهراء المواليتين.
حيث استغلت الوحدات الكردية انشغال فصائل المعارضة بالتصدي للهجوم الشرس وقامت بهجوم بري واسع بدعم جوي روسي بمئات الغارات الجوية على مدن ومناطق استراتجية في ريف حلب الشمالي.
لتتمكن الوحدات الكردية وبتاريخ 1016/2/15 من فرض سيطرتها على مدينة تل رفعت وكفرنايا ودير جمال وبلدة منغ ومطارها العسكري ، بالإضافة لعدّة مدن وبلدات أخرى بعد تدميرها وحرقها وتهجير سكانها العرب، وقطع الإمداد العسكري على فصائل المعارضة بالمناطق الواصلة مابين محافظة إدلب وريف حلب الشمالي، وحصرهم في مدينتي أعزاز ومارع، ليتمكن النظام السوري وحلفائه من فك الطوق والحصار عن بلدتي نبل والزهراء والاتجاه لحصار أحياء حلب الشرقية الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة.
ومع توسع سيطرة الوحدات الكردية واقترابهم أكثر من الحدود التركية، بدأت تصريحات وتهديدات المسؤولين الأتراك تتعالى بالتحرك العسكري ضد القوات الكردية ومنعهم من دخول مدينتي أعزاز ومارع شمال حلب، وعدم السماح لهم بوصل المنطقة الممتدة من عفرين إلى المحافظات الواقعة أقصى شمال شرق سوريا والتي كانت جميعها تحت سيطرة الواحدات الكردية.
لتبدأ تركيا بإرسال تعزيزات وقوات عسكرية على طول الحدود مع سوريا، وخاصةً المناطق المحاذية لريف حلب الشمالي ، وتعمل بعدها المدفعية التركية المنتشرة بالداخل التركي قرب الحدود السورية بدك مواقع الواحدات الكردية التي كانت تحشد قواتها للسيطرة على مدينتي مارع وأعراز شمال حلب ما تسبب بتراجع العملية العسكرية للوحدات الكردية.
[caption id="attachment_319463" align="aligncenter" width="1583"]

عفرين.. محطات هامة من لحظة خروجها من قبضة الأسد وصولًا لتهجير أهلها على يد المعارضة الموالية لتركيا[/caption]
وفي فجر يوم 24 أغسطس/آب 2016، أطلقت القوات التركية بمشاركة فصائل المعارضة عملية عسكرية حملت اسم "درع الفرات" لاستعادة مدينة جرابلس السورية الواقعة على الضفة الغربية لنهر الفرات والمتاخمة للحدود التركية بريف حلب الشمالي، من قبضة تنظيم الدولة (داعش)، وتأمين المدن التركية الحدودية، ومنع الميليشيات الكردية التي حملت اسم "قوات سوريا الديموقراطية" من الاستيلاء على المدينة وضمها لمدينة منبج (36 كيلومترًا جنوب جرابلس)، بعد أن انتزعت الوحدات الكردية المدينة من قبضة تنظيم "داعش" ووسعت نطاق نفوذها بأجزاء مختلفة من شمالي البلاد، خاصًة ما بين كانتوني عين العرب (كوباني) وعفرين الكرديين.
ومع سقوط مدينة أحياء مدينة حلب بيد قوات النظام السوري وحلفائه وانتزاعها من فصائل المعارضة السورية، والتي كان للواحدات الكردية المتواجداة في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية دور كبير بمساندة جيش النظام السوري بحصار أحياء المدينة، بدأت مناطق المعارضة بالانحسار أكثر بعد أن خرج المدنيون والمقاتلون من أحياء حلب باتجاه محافظة إدلب وريفي حلب الشمالي والغربي.
[caption id="attachment_319461" align="aligncenter" width="1511"]

عفرين.. محطات هامة من لحظة خروجها من قبضة الأسد وصولًا لتهجير أهلها على يد المعارضة الموالية لتركيا[/caption]
وبعد سقوط مدينة حلب، زاد توسع ونفوذ قوات المعارضة المدعومة من تركيا على حساب مناطق سيطرة تنظيم الدولة "داعش" في ريف حلب الشمالي الشرقي تحت اسم عملية "درع الفرات"، وتمكنت قوات المعارضة من وصل مدن جرابلس والباب والراعي وأعزاز ومارع ببعضها البعض، وأصبح يفصلها عن محافظة إدلب مقاطعة عفرين الخاضعة لنفوذ الواحدات الكردية.
وفي العام 2017 مرت فترة هدوء تبعها اتفاقية خفض التصعيد للمدن الأربعة التي توصلت اليها الدول الثلاث الراعية لمفاوضات "أستانا 4″ (تركيا وروسيا وإيران).
وباعتبار ان مقاطعة عفرين نقطة الوصل بين منطقتي نفوذ المعارضة في منطقة (درع الفرات )ومناطق محافظة إدلب وغرب حلب وريف حماة الشمالي ،أصحبت المنطقة طريق عبور لصهاريج النفط القادمة من شرق سوريا، وللشاحنات والبضائع مابين المنطقتين، مع فرض رسوم عبور كبيرة من قبل الواحدات الكرية على الشاحنات وسيارات نقل الركاب، وهو ما تسبب بغلاء كبير للأسعار في محافظة إدلب.
كما شهدت تلك الفترة تعرض مخيمات النازحين في بلدة أطمة شمالي بمحافظة إدلب لقصف صاروخي متقطع من قبل الوحدات الكردية المتمركزة في منطقة جنديرس بريف عفرين، ليتسبب القصف المتكرر بسقوط العديد من القتلى والجرحى وإحراق خيام النازحين المدنيين.
مجزرة عين دقنة بعناصر فصيل جيش السنة
ارتكبت الوحدات الكردية بتاريخ بتاريخ 2016/4/28 مجزرة بحق عناصر فصيل جيش السنة التابع للمعارضة السورية، والذي فقد أكثر من 60 مقاتلًا بقيت جثثهم مع الميليشات الكردية.
[caption id="attachment_319453" align="aligncenter" width="467"]
net/nfiles/2020/10/53b528ce-4d50-42b8-a962-d30b8a8732cf.jpg" alt="عفرين.. محطات هامة من لحظة خروجها من قبضة الأسد وصولًا لتهجير أهلها على يد المعارضة الموالية لتركيا" width="467" height="305" /> مجزرة عين دقنة بفصيل جيش السنة[/caption]