تحقيقات ستيبسلايد رئيسي

تأجير الرحم وبيع الخصية بين ما يقوله العلم والدين والتجارة السرّية التي تبني ثروات

تطور العلم في القرن الحادي والعشرين وبات كل شيء ممكن بأيدي العلماء، ولكن ماذا إن كان هذا “الممكن علمياً” لا يتوافق مع المجتمع وتقاليده ودينه، مثل عمليات “بيع الخصية” و”تأجير الأرحام”، وهل هذه العمليات تدخل ضمن ما يعرف بتجارة الأعضاء.

 

عمليات بيع الخصية

انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي أخبار عديدة حول وجود سوق يتم خلالها بيع الخصية من رجل سليم إلى آخر يحتاج إليها، حيث تحدثت بعض تلك الأخبار عن أن الهدف من تلك العملية هي زرع “الخصية” لدى أشخاص يعانون من ضعف بإنتاج النطاف أو عقم جزئي أو كلّي.

وعلى اعتبار أن العملية خارجة عن المألوف، فقد دار الحديث عن أن عمليات “خارج القانون” تجري بالمستشفيات أو العيادات الخاصة لدى أطباء مختصين بالأمر.

وتباينت الأرقام الي قدّرت قيمة الخصية المباعة، حيث تمّ تداول أسعار تراح بين 70 إلى 100 ألف دولار للخصية الواحدة، وبحسب الاتفاق الذي يجري بين المعطي والمستقبل، إضافة لتكلفة العملية التي تتراوح بنحو 25 ألف دولار.

 

حقيقة عمليات بيع الخصية علمياً

جرى الحديث عن أن إقليم كردستان العراق هو واحد من أبرز الأماكن التي تم فيها عمليات بيع الخصية والاتجار بها من قبل سماسرة، وتناولت العديد من وسائل الإعلام العراقية الحديث عن الأمر.

وذكر تقارير في وسائل إعلام عراقية أن العمليات تتم في مستشفيات أربيل، ونقل عن عدد ممن قاموا بتلك العمليات أنهم خضعوا لفحوصات طبية كاملة قبل العملية، ثم بقوا في المستشفى ليومين بعدها، وأكدوا أنهم تعرضوا لأعراض لاحقاً.

وحول ذلك التقت “وكالة ستيب الإخبارية”، الدكتور كيلان عادل سعيد، أحد أشهر أطباء جراحة الكلى والمسالك البولية في إقليم كردستان العراق، وأوضح حقيقة الأخبار حول عمليات بيع الخصية.

الدكتور كيلان عادل سعيد
الدكتور كيلان عادل سعيد – أخصائي جراحة الكلى والمسالك البولية

يقول الدكتور كيلان سعيد: “انتشرت ظاهرة الكلام عن بيع الخصية في الآونة الأخيرة في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى باتت حديث الشباب، وتلقينا العديد من الأسئلة عن إمكانية البيع وكيفية إجراء العملية، وإمكانية العيش بخصية واحدة، كما جرى الحديث عن وجود تجّار ينقلونها للأشخاص الذين يعانون من العقم في إقليم كردستان العراق وسوريا، والأسعار المتداولة للخصية الواحدة هو 70 ألف دولار أمريكي، وهو رقم مغري للكثيرين، لكنه بعيد عن الواقع”.

وأكد الطبيب في حديثه أنه “علمياً لا يوجد شيء اسمه زرع خصية حيّة للإنسان، أو تبرّع بالخصية، ولم تسجّل ولا حاله واحده رسميه بذلك”.

وأوضح أن انتشار هذه العمليات لا يتعدى كونه إشاعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وليس له أساس علمي، وكل من كتب عنه أخذ من تقرير صحفي واحد، وتم نسخ جميع المعلومات ذاتها، وروّجت في عده صفحات بنفس محتواه بالضبط.

وأضاف: “كإجراء جراحي غير ممكن حالياً، والسبب أنه مرفوض علمياً وشرعاً، فمن الناحية الشرعية سيكون الأبناء من تلك الخصية يحملون بصمات وراثية وبذور خلايا الشخص البائع لا المتلقي، وهو ما يخالف الشرع والتعاليم الدينية”.

وتابع: “لا يتلقى الأطباء تدريباً لمثل هذا النوع من العمليات ولا يسمح القانون العراقي ولا باقي الدول العربية بذلك، ولا توجد لحد الآن مثل هكذا عمليات في العالم ولأسباب أخلاقية”.

وأشار بالوقت نفسه إلى أنه إذا تمّ التسليم بفرضية إجراء هذه العملية فغالباً ستكون على يد أطباء أجانب وبعيداً عن القانون والرقابة التي تمنع ذلك، وبالتالي سيتعرض الأشخاص لعميات احتيال، ولن يكون هناك حقوق لمن أجرى تلك العمليات ووقع بمضاعفات مستقبلية، وهو أشبه بتجارة الأعضاء.

ومع نفي الدكتور كيلان سعيد لصحّة عمليات بيع الخصية علمياً وأخلاقياً، فإن تداول الأنباء حولها لم يتعدى مواقع التواصل الاجتماعي، بين السخرية من جهة وبعض الباحثين عن المالي بأي طريقة من جهة أخرى، والذين قد يتعرضون كما أوضح الطبيب لعمليات احتيال.

اقرأ أيضاً: بيع الخصية يشغل بال الشباب السوري..  حقيقة أم إشاعات بعد وصول الأسعار لـ 150 مليون ليرة!

عمليات تأجير الرحم

إن كان الحديث عن عمليات بيع الخصية غير مألوف، فإن عمليات تأجير الرحم عند النساء تختلف عن ذلك، وهو أمر قديم نوعاً ما وجرى الحديث عنه وتداوله حتى في البلدان العربية والإسلامية منذ عقود.

وتأجير الرحم يعرف بأنه عملية الحمل البديل، وهو عبارة عن حل طبي يتم اللجوء إليه لمساعدة النساء غير القادرات على الحمل والإنجاب بسبب مشاكل صحية، وتتم عملية الإخصاب خارج الجسم بتلقيح بويضة المرأة بماء زوجها في المختبر قبل أن تتم زراعة واحدة أو أكثر من تلك البويضات المخصبة في رحم امرأة متطوعة لتنمو وتستكمل فترة الحمل.

وفي هذه الحالة يطلق على المرأة صاحبة الرحم اسم الأم البديلة بينما تكون صاحبة البويضة هي الأم البيولوجية. وعندما تلد الأم البديلة الطفل تسلمه للزوجين مقابل مبلغ متفق عليه وقد يصل المبلغ أحياناً إلى 130 ألف دولار في أوروبا وأمريكا.

 

كيف تتم عمليات تأجير الرحم

للحديث عن حقيقة عمليات تأجير الرحم وكيف تتم علمياً، وقانونيتها، التقت “وكالة ستيب الإخبارية” الدكتور، جهاد حمد، استشاري أمراض النساء والعقم وأطفال الأنابيب.

الدكتور جهاد حمد - أخصائي أمراض نساء وأطفال أنابيب
الدكتور جهاد حمد – أخصائي أمراض نساء وأطفال أنابيب

يقول الدكتور جهاد حمد: “عملية تأجير الرحم تتم عندما لا تستطيع العائلة الإنجاب نتيجة مشكله طبية في الرحم الموجود أساساً أو عند عدم وجود رحم فعّال. وتختلف قانونية هذا الإجراء اعتماداً على الدولة نفسها وفي بعض الأحيان على الولاية داخل الدولة. حيث توجد بعض الدول التي لا يوجد فيها قانون يبيح أو يمنع استئجار الرحم فيكون الاعتماد على المحامين من أجل تحرير عقود مفصلة لعملية استئجار الرحم”.

ويؤكد الطبيب أنه لا يوجد عوارض طبية معينة لعملية استئجار الرحم، حيث أنه إذا حصل الحمل بعد إرجاع الأجنّة للرحم يكون حملاً عادياً، ولكن لوحظ أنه تزيد بعد الولادة الاختلالات النفسية والكآبة. كما أنه تزيد فيه حالات صغر حجم الأجنّة وارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل.

ويضيف: “تأجير الرحم عادة يكون بين عائلة لا تستطيع الانجاب وأمرأه طبيعية طبياً، وفي أغلب الأحيان سبق لها الانجاب لزيادة فرص النجاح، وإذا كانت العائلة مكونه من زوج وزوجته فإن عملية سحب البويضات تتم من الزوجة ويتم تلقيحها بالحيوانات المنوية من الزوج، وعند تكون الأجنّة تعاد إلى الرحم المستأجر ليكون الجنين يحمل الصفات الوراثية للزوجين. أما في بعض الحالات مثل الزواج بين المثليين فإن الموضوع يحمل تعقيدات أخرى بسبب الحاجة لوجود متبرع بالبويضات أو السائل المنوي مما يحمل مخاطرة أمراض وراثية غير معروفة”.

وعن الأسباب التي تدفع العائلات لاستئجار الرحم يذكر الدكتور جهاد حمد أن العائلة تُجبر على استئجار رحم عندما يكون رحم الزوجة غير موجود بسبب استئصال جراحي سابق أو وجود ضمور طفولي بالرحم نتيجة تشوه خلقي أو نتيجة التصاقات شديده غير قابلة للعلاج داخل الرحم (متلازمة اشيرمان).

أما عن مخاطر وعوارض تلك العمليات يشرح الطبيب بأنّه لا توجد طبياً مخاطر من العملية بحد ذاتها فهي تعتبر كالحمل الطبيعي، ولكن من منظور ديني فإنّ عملية استئجار الرحم تؤدي إلى اختلاط الأنساب ولذلك هي محرّمة في كل الشرائع السماوية.

 

رأي الديانات السماوية في عملية تأجير الرحم

فتاوي إسلامية:

صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العلم الإسلامي في دورته الخامسة سنة 1402هـ بتحريم هذا الأسلوب من أساليب التلقيح. كما صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورة مؤتمره الثالث سنة 1407هـ بتحريمه أيضاً. والشائع عند علماء الأزهر تحريمه ما عدا الدكتور عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية (أعلى هيئة للفتوى بالأزهر) والعميد الأسبق لكلية أصول الدين بالجامعة الأزهرية الذي أجازه للضرورة.

وحول التأكيد على ذلك التقت “وكالة ستيب الإخبارية” الدكتور، أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر، والذي تحدث عن “تحريم” عمليات استئجار الرحم بشكلٍ مطلق.

وأكد العملية فيها خلط أنساب ومحرّمة بما لا يدع مجال للشك، كما وصفها بأنها جريمة أخلاقية، وأضاف أن هؤلاء –المتعاملون بها- آثمون ومخالفون لتعاليم الدين الإسلامي، كما أنهم يخالفون فطرة الله التي فطر الناس عليها، وعليهم ذنب كبير يجب أن يتوبوا عنه حتى يحفظوا حقوق العباد ومن قبلهم حقوق الله.

وقد صدر العديد من الفتاوي الإسلامية من علماء ومشايخ وتحرّم تماماً عملية تأجير الرحم تحت أي ظرفٍ كان.

استثناء شيعي:

رغم الفتاوي الإسلامية التي حرّمت بشكل قطعي تأجير الأرحام، إلا أنّ إيران كان لها رؤية مختلفة، حيث صدر في عام 2005 قانون من البرلمان الإيراني يجيز “تأجير الأرحام” من قبل الأزواج غير القادرين على الإنجاب، ومنذ تشريع القانون ووضعه قيد التنفيذ، أصبحت تجارة الأرحام بين النسوة والعائلات القادرات على الحمل رائجة بشكل كبير.

وكان المرشد الإيراني الخميني قد أصدر فتوى قبل ثلاثة عقود تجيز تأجير المرأة لرحمها، لكن الدكتور، أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الذي تحدث لـ “ستيب الإخبارية”، أوضح أن “الخميني” رجل سياسة أكثر من الدين ولا يأخذ بفتواه.

وفي آخر فتوى صادرة عن مكارم الشيرازي، أحد أهم مراجع التقليد في إيران، أكد أن العلاقة بين الأم البديلة والطفل المولود هي علاقة المحارم.

الديانات اليهودية والمسيحية

في الديانة المسيحية فإنها تحرمه جميع الكنائس لتنافيه مع مبدأ الأمومة، وهناك من سمح به من البروتستانت غير أن الفاتيكان ما يزال يرفضه في القرار رقم 2376 ويرى أنه عمل غير أخلاقي.

أما الديانة اليهودية فإن الشائع عندهم أنه جائز ومشهور وتقره إسرائيل بالقوانين المعمول فيها هناك.

 

تاريخ تأجير الرحم وأول عملية

تعود عمليات تأجير الرحم بعد نجاح عمليات أطفال الأنابيب عام 1978، وولادة أول طفلة من تلك العملية وهي “لويز براون”، ثم بعدها انتشرت ظاهرة الأم البديلة أو ما يعرف “تأجير الأرحام” في عدّة دول.

وبحسب بعض المختصين فإن أول الدول التي انتشرت بها هذه الظاهرة هي الهند، ثم انتقلت إلى دول أخرى مثل تايلاند وأوكرانيا وجورجيا وروسيا وبعض الولايات الأمريكية.

وفي إحدى الصحف البريطانية “صحيفة الإندبندت” تحدثت أول سيدة بريطانية أجرت العملية عام 1984، قائلةً: “إذا كان لديك حظ وفير بإنجاب الأطفال فعليك مشاركة خصوبتك مع من حرموا منها”.

أول بريطانية قامت بتأجير الرحم
أول بريطانية قامت بتأجير الرحم

دول أجازت تأجير الرحم وأخرى منعته

هناك العديد من الدول التي أجازت عملية تأجير الرحم وهي (المملكة المتحدة، وكندا، وأستراليا، واليونان، والدنمارك، وبلجيكا، وإيران، وإسرائيل، وبولونيا، وروسيا، وأوكرانيا، ورومانيا، وألمانيا، وهولندا بشروط صارمة، وبعض الولايات الأمريكية، والهند، وتايلاند، ولاوس، والأرجنتين، والبرازيل، وجنوب أفريقيا تجيزه وتضع له شروطا وقوانين).

بينما هناك دول تمنع تماماً هذه العمليات وتعتبرها جرائم إنسانية وهي (فرنسا وإسبانيا، وإيطاليا، والصين، ومقاطعة الكيبك الكندية، وبعض الولايات الأمريكية، وجميع الدول الإسلامية باستثناء إيران).

اقرأ أيضاً: أطباء وممرضون في مشفى الرازي والعسكري يسرقون أحشاء السوريين.. تحقيق صحفي يكشف الكارثة

تجارة مزدهرة ببعض الدول

من جهتها ترى الهند في تأجير الأرحام أحد أوجه الاستثمار، وأن النشاط يشهد إقبالًا من آلاف الأزواج غير القادرين على الإنجاب، حتى أصبحت ملاذاً للراغبين في الإنجاب من كثير من دول العالم، ويبلغ عدد عيادات التخصيب أكثر من 3 آلاف عيادة، وتجاوز حجم الأموال المتداولة في هذا المجال أكثر من نصف مليون دولار.

وتكونت في العديد من البلدان مكاتب متخصصة في تأمين النساء اللواتي يرغين تأجير أرحامهن مقابل المال، وتأخذ هذه المكاتب مثل مكاتب “السماسرة” نسبةً من الأموال المتفق عليها بعقد يضعه محامٍ بين الطرفين.

وتقول جماعات حقوقية إن لاوس الشيوعية، وهي واحدة من أفقر بلدان آسيا، أصبحت مركزاً للجرائم العابرة للحدود ومركز عبور مواد مهربة منها المخدرات والأحياء البرية والأخشاب، وقال مسؤولون في شركتين استشاريتين في نشاط الأمهات البديلات إن صعود لاوس كوجهة دولية لمن يعانون من تأخر الإنجاب يزداد في الفترة الأخيرة.

ونقلت بعض التقارير الغربية عن وكالة (نيو جينتكس جلوبال) للأمهات البديلات، أن حزمة الخدمة الكاملة من فحوص لأمهات بديلات محتملات إلى الميلاد تُكلف 51150 دولاراً في جنوب شرق آسيا مما يجعلها ثالث أرخص الخيارات بعد أوكرانيا وكينيا، وتتقاضى الأمهات البديلات جزءاً صغيراً من المبلغ لكنه يفوق كثيراً ما يحصل عليه كثيرون في أماكن أخرى.

وفي الولايات المتحدة تصل تكلفة إنجاب الطفل الواحد عبر الأم البديلة إلى 120 ألف دولار، وتوجد وكالات متخصصة للسمسرة بين الأمهات المستأجرات وبين الزبائن من ذوي الحاجة.

 

الخُلاصة

تعتبر العمليات الطبّية المستحدثة محط جدلٍ بين نظرة الأديان لها ونظرة المجتمع مقابل حاجة البعض الآخر لأملٍ يعقد عليه عبر الطب، ومنها عمليات الإنجاب التي تعتبر ركيزة الحياة الزوجية، حيث أن كل عائلة تحلم بأن يكون لها طفل يعيش في كنفها، إلا أن الحاجة تلك وبحسب ما اتفق عليه الجميع طبّياً ودينياً لا تبرر الوسيلة، وربما نشهد المزيد من الأبحاث التي تعطي نتائج طبّية مبهرة لكنها تعارض المتعارف عليه بالأديان والمجتمعات، وستبقى تلك الأبحاث طيّ الكتمان بعيداً عن القوانين الوضعية والإلهية، وربما تندثر أو تنتشر سرّاً، وربما تستغلها جماعات تعمل بقانون “كل ممنوع مرغوب”، من أجل بناء ثروات مالية على حساب حياة البعض ومعتقدات الآخر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى