منوع

أسرار كتاب الموتى الفرعوني والسفر إلى العالم التجاوزي

 

العنوان الشائع لما يُسمى “كتاب الموتى” هو غير صحيح ويُعتبر من الأخطاء الكُبرى التي اقترفها المترجمون الأكاديميون الذين أساءوا فهمه وتفسيره، ومن المفروض أن يُترجم عنوان المخطوط الأساسي: “كتاب هؤلاء الذين نهضوا في النهار”، أو “فصول الاقتراب إلى الأمام في النهار (النور)”.

 

أسرار كتاب الأموات

 

إن هذا النوع من الترجمة غير الدقيقة هو ناتج من حقيقة أن العلماء الذين ترجموا النصوص في كتاب الموتى لم يأخذوا في الحسبان تلك الممارسات التي استخدمها كهنة الفراعنة القدامى خلال الطقوس التي تحدث عنها كتاب الموتى.

 

 يُعتبر هذا المخطوط القديم اليوم (كتاب الموتى) بأنه يتناول موضوع الحياة بعد الموت والتحضير الضروري لهذه الرحلة التجاوزية، وخلال الخروج بهذا الاستنتاج لم يعير الباحثون أي اعتبار للواقع الذي يكمن ما وراء النصوص.

 

في الحقيقة، هذا الكتاب الذي تم عنونته بشكل خاطئ لم يتحدث عن الأموات بشكل فعلي، بل عن أولئك الذين تركوا أجسادهم (خروج عن الجسد) خلال طقوس معينة قامت أرواحهم برحلة إلى العالم التجاوزي بينما كانوا في حالة وعي بديلة وكانت أدمغتهم في حالة سكون كامل.

 

وجب العلم بأن التفسيرات العصرية للمخطوطات والنصوص القديمة تستند على المنطق “العلماني المادي”، وهذا التوجّه العلمي غير مؤهّل إطلاقاً للتعامل مع النصوص القديمة، لأن ما يعتبره العلم المنهجي ماورائيات خرافية يمثّل لدى حكماء العالم القديم واقعاً ملموساً وممارسات قابلة للتطبيق وظواهر قابلة لأن تتجلى فعلياً.

اقرأ أيضاً:

الكواكب السبعة في حضارة الفراعنة وتأثيرها على الصفات الشخصية وعلاقتها بالشاكرات

هناك فرق كبير بين “الموت” و”انفصال الوعي عن الجسد”، والعلم المنهجي لا يعترف سوى بالحالة الأولى فقط، وهنا تكمن المشكلة المستعصية.

 

الأجزاء التي يتألف منها هذا المخطوط (كتاب الموتى) الذي انحدر إلينا بشكله الحالي مكرّسة للطقوس السحرية وغيرها من مواضيع تجاوزية مختلفة، إن مُعظم ما يتناوله الكتاب هو وصف الحالات التي يمرّ بها “الوعي الديناميكي” الذي ترك الجسد وراح يجول في رحاب العالم الآخر (التجاوزي)، وفي الحقيقة فإن ما يتناوله الكتاب بشكل عام ليس له علاقة بما يحصل مع الفرد بعد موته بل بعد خروجه عن جسده لفترة زمنية مؤقّتة، وذلك لمشاهدة واختبار واقع خيالي تم إيحاءه إليه قبل أو خلال دخوله في هذه الحالة الاستثنائية من الوعي البديل.

 

هذا التحريف الواسع النطاق لم يستثني المفاهيم العلمية المتعلقة بتشريح كينونة الإنسان والتي تحوّلت لاحقاً إلى أوصاف وألقاب دينية، فمثلاً، في الوقت الذي مثلت فيه الـ”كا” Ka والـ”با” Ba عناصر تدخل في مكونات الإنسان، أصبحت في فترات لاحقة من تاريخ الفراعنة ترتبط بصفات تعبر عن القوّة والجبروت الذي تمتع به الحكام والآلهة في معتقداتهم.

 

 وقد انعكس هذا التحريف على النصوص المكتوبة لاحقاً، كنصوص “الناووس” (المكتوبة داخل الهرم) حيث ورد أن الإله “رع” يملك أربعة عشر “كا” ووردت هذه الصيغة أيضاً في “كتاب الأموات”، إن الإدماج بين الـ”كــا” والـ”بــا”، وحصول تفاعل بينهما سوف ينتج “الأخ” AKH (ويعني حسب الترجمة “المتنوّر” أو “المبتهج”).

اقرأ أيضاً:

المتحرش تأكله التماسيح.. باحث مصري يكشف حقائق غريبة عن قوانين الفراعنة

حالة الوعي والارتقاء الروحي

إذا كان الشخص يتمتّع بملكة الـ”أخ”، فهذا يعني وفق المفهوم الجديد أنه بعد بلوغ حالة الارتقاء الروحي (الاتصال مع الـ”كا”، الذات العليا) بحيث أصبح ممكناً الانتقال إلى العالم التجاوزي (الوعي البديل) حين الطلب، يصبح “الوعي الديناميكي” نشطاً عند الفرد بحيث يستطيع الانتقال إلى أي موقع زماني أو مكاني، أو بمعنى آخر، أصبح يتمتع بقدرات خارقة، وعندما يكون الفرعون في حالة (أو يتمتع بمنزلة) “الأخ”، يقصدون بذلك أنه كان قادراً على ترجمة رسائل الآلهة.

 

اعتُبرت الـ”كـا & بـا” لدى المصريين القدامى من بين العناصر المكوّنة للكائن البشري، بحيث لا يمكن لأحدها أن تكون دون الأخرى، لكن لاحقاً، في القرن الرابع قبل الميلاد، وكنتيجة للترجمة الخاطئة للمصطلح، راح الإغريق القدامى يربطون مفهوم الـ”بــا” BA بـ”النفس”، إلا أنه في الحقيقة، الـ”بــا” BA تشكّل أحد مكوّنات النفس.

 

هناك اعتقادات أخرى كانت سائدة بخصوص هذا المفهوم الثنائي، والقائل بأن الـ”كــا” والـ”بــا” هما تجسيدين مختلفين لما يُسمى اليوم “القوة الحيوية” الموجودة لدى كافة البشر والكائنات الحية، وتستمرّ في البقاء حتى بعد الموت، حسب المعتقدات القديمة، كان الـ”بــا” يقبع داخل القبر إلى جانب الجسد الميّت، محرّكاً كافة الآليات والوظائف الجسدية للشخص، أما الـ”كــا”، فلم تكن تمثّل “القوة الحيوية” (طاقة الحياة) فحسب، بل أيضاً “الأنا البديلة” أو الشخصية التوأم للشخص الميّت والتي لا تفارقه خلال حياته أو موته، وهنا أيضاً أسيء ترجمة النصوص المؤدية إلى هذا الاستنتاج، لأن حكماء الفراعنة لم يقصدوا الموت أو القبر، بل حالة الخروج عن الجسد أو ما يشابهها من حالات تجاوزية أخرى، وربما تكون حالة مشابهة للتنويم المغناطيسي.

 

 ففي التنويم المغناطيسي والإسقاط النجمي وغيره، يُقصد بمفهومي الـ”كــا” والـ”بــا” كما يلي: عندما يُقال بأن الـ”بــا” يبقى مع الشخص الفاقد لوعيه، محرّكاً كافة آلياته ووظائفه الجسدية، يكون القصد من ذلك الطاقة الحيوية البايومعلوماتية التي تحرّك الوظائف اللاإرادية للجسم.

اقرأ أيضاً:

لعنة الفراعنة .. هل أطلق قرار نقل المومياوات أجنحة الموت بمصر

إذا عدنا إلى ثنائي العقل/المادة، والذي يعني بالتالي ثنائي الروح/النفس، نكون قد توصلنا إلى المعنى الفعلي لثنائية الـ”كا/با”. الـ”با” تمثّل الجسد فعلاً لكن ليس بمعناه المادي الملموس، بل الجانب “الروحي” منه، بينما “كا” تمثّل “النفس”، أو “الأنا” أو “العقل”.

 

إن إلقاء نظرة تحليلية على مستوى المعرفة التي حازها القدماء، وتعاليمهم الدينية التي نشأت وتشكّلت عبر التطورات التاريخية المتلاحقة، سوف يؤدي بنا إلى استنتاج بأنه في جوهر النظرة القديمة للعالم نشأ خلل معيّن أدى إلى تقرير مصير، ليس فقط أطلنطس وراما وهايبربوريا، بل كذلك مصر، المايا، التولتك، والأزتك، وغيرها من حضارات قديمة جاءت بعدها.

 

عناصر الخلل هذه، والتي توارثتها الحضارات الإنسانية منذ ذلك الزمن الغابر، لم تُحدّد بعد في عصرنا الحالي، مع أنها تمثّل الأسباب الجوهرية وراء كل المشاكل التي تعاني منها حضارتنا الإنسانية اليوم.

 

من الواضح جداً أن مستوى المعرفة التي اكتُسبت في أزمنة غابرة تتجاوز المستوى الأخلاقي (الوعي) لمن حازوا عليها، يمكن إثبات هذه الحالة عبر حقيقة أنه، بالرغم من حيازتهم على معارف مذهلة تشمل طيف واسع من المجالات الروحية، الفلكية، الرياضياتية، والطبية.. إلى آخره، لكن القدماء انخرطوا في طقوس التضحية بالبشر، القتل، وحروب التوسّع والإبادة فضاعت الحكمة والمعارف.

 

وفقاً لما يقرّه المنطق والخبرة العملية، وجب على المستوى الأخلاقي أن يتساوى مع مستوى الإمكانيات البشرية، حتى أنه يُفضّل لو كان المستوى الأخلاقي للإنسان أعلى من مستوى إمكانياته وإنجازاته التقنية والعلمية.

 

أصبحت المعارف المُحرّفة التي جاءت لاحقاً، والتي شملت بعض من بقايا المعرفة الأولى المنحدرة من العصر الذهبي، تمثّل أساس طقوس دين الدولة لدى الفراعنة والتي أقرّت بأحقيّة الفراعنة بالحكم بصفتهم يمثلون امتداداً لسلالة الآلهة الذين عاشوا على الأرض في الزمن الأوّل (سكان الحضارات الجبارة التي ازدهرت يوماً على سطح هذه الأرض)، وحرفت معظم العلوم حتى بات المنطق يرفضها اليوم لأنها لا تتناسب مع المنظومة الفكرية والأخلاقية لمجتمعاتنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى