مقال رأي

هل أخطأت واشنطن في حساباتها وتحالفاتها في سوريا.. ومن المستفيد من تأجيج الوضع بالحسكة!؟

بعد الإعلان عن الانتصار على داعش في بلدة “الباغوز” بريف ديرالزور في (2017 )، وانتهاء حقبة داعش المفترضة ومشاركة قيادات التحالف الدولي في الاحتفال، يفهم منه اليوم بأنها كانت مجرد مسرحية وكذبة  سياسية لها علاقة مباشرة بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال تلك الفترة، وهذا ما تحقق بالفعل، أما اليوم وبعد مرور 5 سنوات ومع انتشار تنظيم داعش من جديد في الحسكة، وفتح أبوب السجون على مصراعيه أمام هذا التنظيم تعيد بنا عقارب الساعة إلى الخلف، فإدخال السلاح إلى السجن ومنح السجناء وسائل الاتصال،  والتواطئ مع انتشار هذا التنظيم داخل أحياء الحسكة.. كل ذلك يترك الكثير من التساؤلات..؟

هناك سؤال واحد بات يطرح نفسه بقوة، هل أخطأت واشنطن في حساباتها وتحالفاتها في سوريا…؟

ما يحدث في  الحسكة اليوم، هو إما مجرد نتاج لسياسة واستراتيجية واشنطن في سوريا  أو أن اللاعبين الكبار يتقصدون إعادة برمجة تنظيم داعش وفق أسس وقواعد جديدة لنشر الفوضى الخلاقة مجدداً في سوريا والعراق.

قالب مقال رأي 1
هل أخطأت واشنطن في حساباتها وتحالفاتها في سوريا.. ومن المستفيد من تأجيج الوضع بالحسكة!؟

ما علاقة “برلين” بأحداث سجن الحسكة؟

الجميع يعلم  أن 50 جندياً ألمانياً يتولون تدريب القوات العراقية  والبيشمركة في مجال الدفاع واللوجستيات في مجمع التاجي العسكري، على بعد 30 كيلومتراً شمالي بغداد، والأبعد من كل ذلك، أعلنت برلين انسحابها من التحالف الدولي الذي شكل في 2014 ضد داعش وقيادة التحالف العسكري الدولي لمكافحة تنظيم “داعش” الإرهابي وصفت هذا الانسحاب المحتمل للقوات الألمانية بأنه سيكون “ضربة قوية” للتحالف.

انسحاب الألمان من هذا التحالف يعني انسحاب بقية الدول الأوربية، وربما يؤدي ذلك إلى انهيار وتفكك هذا التحالف في المستقبل القريب، وربما تجد واشنطن نفسها منفردةً في المواجهة مع تنظيم داعش ومن خلفها القوى الدولية التي باتت ( البقرة الحلوبة ) التي يستفيد  منها الجميع، وتحول هذا التنظيم  إلى الأفعى السامة بمنظور اهالي المنطقة لما ارتكبها من فظائع وجرائم بحق المدنيين في سوريا والعراق، ويتم استخدمه من قبل الجميع كلما دعت الحاجة وربما الانسحاب الألماني من التحالف الدولي له علاقة مباشرة بما يحدث اليوم في الحسكة، والمفهوم منه هو إعادة ترتيب الأوراق من جديد وتوجيه رسائل متعددة الأوجه إلى الرأي العام في الغرب مفادها بأن تنظيم داعش لازال موجوداً وبقوة، ويشكل خطراً على أمنكم ومستقبل أطفالكم، وبالتالي ربما الهدف من هذا التأجيج ، هو للمحافظة على هيكلية التحالف الدولي داخل سوريا والعراق، ومنعه من التفكك.

من المستفيد من تأجيج الصراع داخل الحسكة؟

موسكو اليوم ترى نفسها في مواجهة مباشرة مع الناتو وخاصة داخل كازاخستان وجبهة أوكرانيا، فالغرب يجاهدون اليوم لضم “كييف ” إلى الناتو وهذا ما يرفضه موسكو جملة وتفصيلاً، والأخيرة تدرك تماماً أن تأجيج الأحداث في كازاخستان كان الهدف الرئيسي منه خلق فوضى على الحدود الروسية وإشغال موسكو بهذا الملف لتكف عن اجتياح أوكرانيا، لكن مع تدخل الجيش الروسي تحت مظلة ( منظمة الأمن الجماعي ) إلى كازاخستان أسقط المشروع الغربي،  ودفعها إلى إعادة حساباتها من جديد، لكن نبرة ساسة الغرب وخاصة لندن وواشنطن، تؤكد بأنهم مصرّين  على التوجه لتحقيق هذا المشروع، ومن هنا يبدو أن فكرة  فتح جبهة أخرى على واشنطن لخلق توازن جيوستراتيجي بالتوازي مع جبهة الحسكة داخل سوريا تعد أمراً  لا بد منه، وأقرب إلى التحقيق بالنسبة لروسيا الاتحادية، وبالتالي لمحاولة انتزاع ورقة تفاوضية إضافية من واشنطن وربطها بملف أوكرانيا بشكل مباشر.

عموماً، هذه الأزمة لن تنتهي بانتهاء خلايا داعش في الحسكة، ومن المحتمل أن تصعد موسكو لهجتها ووعيدها ضد واشنطن داخل سوريا لطالما حشدت الناتو قواتها ضد الروس في أوكرانيا ومن ثم كازاخستان، وردّة فعل النظام حيال الوضع في الحسكة واضحة ومفهومة لا تحتاج إلى تفسيرات أخرى.

طهران: طهران ومن بعدها النظام السوري ترى أن التنديد التركي، الإسرائيلي، السعودي، لضرب الإمارات من قبل الحوثيين منذ فترة ليست ببعيدة كان أمراً غير محبذ بالنسبة لها، تلقت رسالة حاسمة من المحاور الثلاثة وضمن بريد واحد ومشترك،   وترى أن تطور هذه المواقف وتحوّلها إلى تحالف حقيقي يوماً ما بقيادة واشنطن في الشرق الأوسط سيكون المستهدفة بشكل مباشر، وبالتالي من مصلحة طهران تأجيج الصراع داخل الحسكة لاحراج الأمريكان أمام الرأي العام والتاكيد أن تنظيم داعش لم ينته بعد، وبأن التواجد العسكري الأمريكي في سوريا له أهداف أبعد من تنظيم داعش، وربما يدفع المنطقة نحو انقسامات مذهبية وقومية جديدة على حساب وحدة الجغرافية السورية الموحدة، ولها ارتدادات أخرى وخاصة الملف النووي والتصعيد الغربي حيال هذا الموضوع، إذاً نسطيع القول إن الحرب الدائرة اليوم في الحسكة تتجاوز منظمات محلية سواء كانت قسد أو داعش وارتداداتها أقوى مما نتصوره، فمن المحتمل أن يمتد هذا الصراع مع الوقت إلى داخل العراق؟ بالتالي من مصلحة الجميع إعادة عقارب الساعة إلى الخلف لإدارة الأزمة وليس لحلها

مصلحة النظام السوري في تأجيج الصراع داخل الحسكة ؟

النظام ينظر اليوم إلى نفسه بأنه على الرغم من تحقيق مكاسب عسكرية على فصائل المعارضة السورية إلا  أن هذا النصر لم يتم ترجمته اقتصادياً على الأرض، بمعنى أن قسد استغلت الفرصة وفرضت قبضتها على المواقع النفطية الإستراتيجية، وتستفرد في بيع النفط وتركت البقية الباقية يتقاتلون على براري تدمر وديرالزور وحمص، النظام اليوم بحاجة ماسة إلى العملة الصعبة حتى يتمكن من الصمود أمام الدولار الامريكي وحماية المنظومة الاقتصادية السورية من الإنهيار في ظل الأزمة الخانقة التي تعصف به من جميع الاتجاهات، تأجيج الصراع في الحسكة، هو ضربة في خاصرة قسد بعد أن فشلت في إعادة المناطق أو الأمانة الى قبضة النظام بسبب دخول الامريكان على الخط ، فجاءت عاصفة الحسكة لتحسم الجدل السائد حول هشاشة العلاقة الموجودة ما بين النظام في دمشق وقيادات قسد المرتبطة بالجيش الأمريكي في سوريا، وبالتالي منحوا لحزب العمال الكردستاني دور البطولة  للقضاء  على قسد ككيان عسكري مرتبط بالمشروع الاميركي والعمل على تفكيكها  وضرب مصداقيتها أمام تحالفها مع الأمريكان .

الخلاصة، إعادة تدوير منظومة داعش من جديد في سوريا انطلاقاً من سجن غويران في الحسكة وفي ظل الانفلات الحاصل داخل هذه المدينة، لا شك أنها  تحرج واشنطن أمام الرأي العام الدولي ، وتؤكد أيضاً أن قسد لم تعد الحليفة الصادقة بالنسبة لواشنطن في سوريا لأنها تلعب على حبل التناقضات مابين واشنطن وموسكو، وبالتالي من حق الجميع أن يتساءل: ألم يحن  الوقت لأن تعيد واشنطن حساباتها داخل سوريا وتبحث عن تحالفات جديدة مكونة من أهالي المنطقة وتتمتع بحاضنة شعبية أقوى حتى تساهم في إعادة الأمن والاستقرار كون نظرية الإعتماد على عناصر أجنبية داخل قسد المتمثلة بحزب العمال الكردستاني لمحاربة عناصر أجنبية أخرى داعش، أثبتت فشلها وسقطت بانتشار داعش داخل أحياء الحسكة، ولا بد من البحث عن البديل و ترتيب الأوراق من جديد والاعتماد على العناصر المحلية لأبناء العشائر المعتدلين في الرقة والحسكة وديرالزور، وكردياً الاعتماد على البشمركة روج لأنهم جميعاً  يشكلون عامل الأمان والاستقرار في شرق الفرات، أما إذا كان ما يحصل في الحسكة هو بضوء أخضر أمريكي فمن الطبيعي الاعتماد على كوادر حزب العمال الكردستاني لمحاربة داعش لأنهم بمثابة قوة تحت طلب ، وقودها الأبرياء من أبناء المنطقة ويحاربون بدون مقابل، وبالتالي هم بارعون في تأجيج الصراعات العرقية والمذهبية والقومية على الأرض، بالتالي يمكننا القول إن الصراع في الحسكة لن  يتوقف بانتهاء داعش داخل هذه المدينة، لأن هناك تداخلات متشابكة ومعقدة بين القوى الإقليمية والدولية وارتداداتها أقوى وأوسع مما نتصوره، فالكرة باتت في ملعب الأمريكان داخل سوريا،  ومقولة انتهاء داعش داخل سوريا كانت كذبة كبيرة لتضليل الرأي العام ويتم برمجة هذا التنظيم وفق متطلبات المرحلة، وجميع هذه التنظيمات يتشاركون في هدف واحد وهو ضرب البنية التحتية لدولة سوريا وجعلها دولة فاشلة ومتفتتة غير قابلة للعيش فيها لأجندات بعيدة المدى تخدم الدول الغربية تتعلق بأمن اسرائيل، يطول الحديث عنه هنا، ولا يمكن التطرق إليها ضمن هذا المقال.

علي تمي: كاتب وسياسي

ملاحظة: (ما جاء في المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى