كيف تسعى الاستخبارات الإيرانية لتجنيد العملاء في المجتمع الإسرائيلي؟
أصبح تجسس بعض الإسرائيليين لصالح النظام الإيراني، والذي شهد تزايدًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، من أبرز التحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل. فخلال الأسابيع القليلة الماضية، صدرت تقارير عدة تتحدث عن اعتقالات لأشخاص متهمين بالتعاون مع عملاء الاستخبارات الإيرانية. ومن أحدث هذه الحالات، اعتقال زوجين إسرائيليين بتهمة التجسس لصالح الاستخبارات الإيرانية.
وفقًا لجهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك” والشرطة الإسرائيلية، فإن المتهمين، رافائيل (56 عامًا) ولالا (32 عامًا)، كانا يعملان على جمع المعلومات من المواقع الأمنية والبنية التحتية الوطنية لإسرائيل لصالح إيران. ويبدو أن الزوجين، في إطار تحقيق أهدافهما، قد قاما أيضًا بمراقبة أحد الأعضاء الأكاديميين في أحد مراكز الأبحاث الأمنية الإسرائيلية.
إسرائيل: تجسس الزوجين لصالح إيران يسلط الضوء على تحديات الأمن القومي
أعلن جهاز “الشاباك” والشرطة الإسرائيلية أن رافائيل جولييف، الذي كلفه الإيرانيون بالعثور على موقع شخص مطلوب ومراقبة المواقع الأمنية، كان يتجسس على مقر جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد”، حيث ساعدته زوجته في بعض هذه المهام. ووفقًا للتقارير، تمت عملية تجنيد هذين الزوجين من قبل شخص إسرائيلي من أصل أذري.
في وقت سابق، كشفت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عن عدة حالات لمحاولات عملاء الاستخبارات الإيرانية تجنيد مواطنين إسرائيليين. وقد ارتبطت بعض هذه الحالات بمحاولات التسلل إلى المنشآت الحساسة والبنية التحتية الأمنية، وجمع المعلومات عن كبار المسؤولين والجنود الإسرائيليين. من بين هذه القضايا، اعتُقل سبعة أشخاص، بينهم جندي هارب من الخدمة العسكرية ومراهقون تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عامًا من أصل أذري، للاشتباه في تجسسهم لصالح النظام الإيراني. وتعد هذه القضية من أخطر القضايا الأمنية والتجسسية التي تواجهها إسرائيل في الوقت الراهن.
تكتيكات الاستخبارات الإيرانية لاستقطاب العملاء الإسرائيليين
شبكة تجسس لصالح إيران: تفاصيل جديدة حول الاتهامات الموجهة للمعتقلين في إسرائيل
وفقًا للائحة الاتهام، يواجه هؤلاء الأشخاص تهمًا بارتكاب جرائم أمنية بسبب مساعدتهم العدو وتقديم المعلومات له أثناء الحرب. وأفادت السلطات القضائية الإسرائيلية بأن رئيس شبكة التجسس، عزيز نيسانوف، كان يتواصل بشكل مباشر مع عميل تابع للنظام الإيراني، بينما كان نائبه، ألكسندر صادقوف، يشرف على عمل أعضاء هذه الشبكة. أما المتهم الثالث في هذه القضية، والذي لم تُكشف هويته، فهو مراهق كانت مهمته الأساسية التقاط الصور وإرسالها إلى الجانب الإيراني.
موتي مامان: اعتقال متهم بالتجنيد من قبل الاستخبارات الإيرانية الإ لتنفيذ مخطط اغتيال نتنياهو
أعلن المدعي العام الإسرائيلي أن المتهمين في القضية نفذوا مئات المهام تتعلق بالتقاط الصور من عدة قواعد جوية، منها نافاتيم ورمات ديفيد وتل نوف وبالماحيم وبير توفيا وكريات جات وعميك حيفر ومجمع جيلوت شمال تل أبيب. وقد تمكن هؤلاء من التقاط صور لأنظمة الدفاع الصاروخي (القبة الحديدية) ومباني حكومية وموانئ في حيفا وأشدود وإيلات، بالإضافة إلى محطة كهرباء الحضرة ومنطاد المراقبة التابع للجيش الإسرائيلي في منطقة الجولان.
وأشار المدعي العام إلى أن المتهمين تلقوا ما بين 500 و1200 دولار لكل مهمة يقومون بها لصالح الجانب الإيراني، بينما إجمالي المبلغ الذي دفعه النظام الإيراني لشبكة التجسس بلغ 300 ألف دولار، تم تقسيمه بين أعضاء الشبكة، مع جزء منه تم تحويله على شكل عملات مشفرة.
وفي أكتوبر 2023، أعلنت أجهزة الأمن الإسرائيلية عن اعتقال سبعة أشخاص آخرين بتهمة التعاون مع النظام الإيراني للتخطيط لاغتيال عالم نووي إسرائيلي ورئيس بلدية، بالإضافة إلى تنفيذ عملية تخريبية في الأراضي الإسرائيلية. وفقًا للمعلومات المعلنة، كانت مهمة هؤلاء الموقوفين تتضمن زرع قنبلة في سيارة للشرطة وإلقاء قنبلة يدوية على أحد المنازل، وذلك مقابل مبلغ يصل إلى 53 ألف دولار.
آليات عمل الاستخبارات الإيرانية في اصطياد العملاء الإسرائيليين
دوافع انضمام الإسرائيليين إلى شبكات التجسس الإيرانية
في تقرير تحليلي نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست”، تم تسليط الضوء على الأسباب التي تدفع بعض الإسرائيليين للانضمام إلى شبكات التجسس التابعة للنظام الإيراني. واستند التقرير إلى تصريحات أستاذ محاضر في العلاقات الدولية بجامعة حيفا، الذي أشار إلى أن “الأيديولوجية، المال، والضغوط النفسية” هي الدوافع المشتركة التي تجعل الأشخاص يقبلون على الانضمام إلى هذه الشبكات. ومع ذلك، يعتبر المال هو العامل الرئيسي الذي يدفع الأفراد لقبول مهام التجسس لصالح النظام الإيراني.
وأوضح الأستاذ الجامعي أنه على الرغم من صعوبة تجنيد الأشخاص الذين اندمجوا بشكل جيد في المجتمع الإسرائيلي، فإن عملاء الاستخبارات الإيرانية يركزون عادة على المهاجرين الذين يشعرون بالعزلة. وأكد الباحث في معهد الدراسات الأمنية، بن سبطي، الذي هاجر إلى إسرائيل قبل 40 عاماً، أن المال والسجلات الجنائية لا يمكن أن يكونا السبب الوحيد وراء تجسس بعض الإسرائيليين لمصلحة النظام الإيراني.
وفي حديثه عن التحديات الثقافية والاجتماعية واللغوية التي يواجهها المهاجرون، أشار بن سبطي إلى أن العديد من هؤلاء المهاجرين يشعرون بعدم الرضا عن وضعهم في إسرائيل بسبب انقطاعهم عن أوطانهم. ويستغل عملاء الاستخبارات الإيرانية هذه الحالة، خاصة شعور العزلة والإحباط، لتجنيدهم.
وضرب بن سبطي مثالًا يوضح هذا الوضع قائلاً: “عندما يأتي شخص ما ويعانقك ويفهم مشكلاتك العقلية، فهذا الأمر يجعلك تقترب منه دون أدنى شك”. وأضاف أن هذه الحيل وغيرها تستخدم بشكل متكرر من قبل الإيرانيين، الذين يسعون إلى استقطاب الأشخاص الغاضبين وغير الراضين عن إسرائيل، سواء لأسباب اجتماعية أو عاطفية. وأشار إلى أن هذه الحوادث يمكن أن تكون نتيجة لتجارب بسيطة مثل صعوبة التواصل بسبب اللغة، أو الشعور بالإهانة بسبب المعتقدات الثقافية والدينية أو حتى اللهجة.