في بيان رسمي بتاريخ 3 أكتوبر 2025، أعلنت حركة "حماس" قبولها الأولي لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام في غزة، والتي تنص على وقف إطلاق نار فوري، تبادل 48 رهينة إسرائيليًا (من بينهم 20 أحياء) مقابل مئات السجناء الفلسطينيين، وإعادة إعمار القطاع تحت إشراف لجنة دولية برئاسة ترامب.
غير أن البيان تضمّن شروطًا أساسية، أبرزها: جدول زمني لانسحاب القوات الإسرائيلية، ضمانات ضد "احتلال جديد"، وتوضيحات بشأن قوة حفظ السلام الدولية، مع استعداد لإطلاق الرهائن "أحياء وجثامين" وفق "الظروف الميدانية".
اللافت أن حماس تجاهلت تمامًا بند نزع سلاحها الكامل وإنهاء سيطرتها العسكرية والسياسية، وهو البند الجوهري في الخطة، مما يمنح إسرائيل هامشًا واسعًا للمناورة في المرحلة المقبلة.
ارتباك نتنياهو: توقعات الرفض تتصادم مع ترحيب ترامب
نقلت أكسيوس أن نتنياهو أبلغ مساعديه خلف الأبواب المغلقة بأن حماس رفضت بشكل قاطع اتفاق وقف إطلاق النار المدعوم من ترامب، لكن بعد ساعات، رحّب ترامب علنًا ببيان الحركة، قائلًا: "بناءً على بيان حماس، أعتقد أنهم مستعدون لسلام دائم. يجب على إسرائيل أن توقف قصف غزة فورًا، حتى نتمكن من إخراج الرهائن بأمان وسرعة! نحن نناقش بالفعل تفاصيل يجب الاتفاق عليها. الأمر لا يتعلق بغزة فحسب، بل يتعلق بالسلام المنشود في الشرق الأوسط". بعض المراقبين يرون أن هذا الترحيب المفاجئ أثار صدمة داخل مجلس الوزراء الإسرائيلي وأربك حسابات نتنياهو، الذي كان يتوقع رفضًا صريحًا من حماس. تفاؤل ترامب يضع ضغطًا على نتنياهو لتعليق العمليات مؤقتًا، لكن قبول حماس المشروط يمنحه فرصة للمناورة لاحقًا إذا فشلت المفاوضات بسبب تجاهلها لنزع السلاح.
المعارضة الإسرائيلية تضغط من الداخل
أضفى زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد زخمًا إضافيًا على الخطة بقوله:
"هناك فرصة غير مسبوقة لإطلاق سراح الرهائن وإنهاء الحرب. على إسرائيل أن تنضم إلى محادثات ترامب النهائية، وأنا أبلغت واشنطن أن نتنياهو يحظى بدعم سياسي كامل لهذه الخطوة."
هذا الموقف يضع نتنياهو بين نارين: الانخراط في المفاوضات تحت ضغط المعارضة والرأي العام، أو رفض التفاصيل الأمنية التي تجاهلتها حماس، ليبرر استمرار الحرب بدعوى حماية أمن إسرائيل.
مناورة حماس… وذريعة نتنياهو
قبول حماس المشروط يشبه تكتيكات إيران وحزب الله: قبول ظاهري لتخفيف الضغط الدولي والداخلي، مع تجاهل الالتزامات الجوهرية مثل نزع السلاح.
هذا ما دفع السيناتور الأمريكي ليندزي غراهام للتعليق:
"إنه للأسف متوقع… إنه (نعم ولكن) الكلاسيكية."
بهذا، تصبح المناورة ورقة بيد نتنياهو: إما تصوير القبول كرفض مقنّع يبرر التصعيد، أو استخدامه كورقة تفاوض لإظهار أنه "أعطى السلام فرصة".
أول رد إسرائيلي رسمي
أصدر مكتب نتنياهو بيانًا جاء فيه: "إسرائيل تستعد لتنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب فوراً للإفراج عن المختطفين، استناداً إلى رد حماس."
ويرى بعض المراقبين أن هذا الرد يهدف بالأساس إلى إظهار التزام ظاهري بخطة ترامب، بينما يترك نتنياهو الباب مفتوحاً للمناورة. فالحركة لم تُبدِ استعداداً لنزع السلاح، وهو الشرط الذي تتمسك به إسرائيل، ما يعني أن الحكومة قد تستخدم هذا الموقف لامتصاص الضغوط الدولية والداخلية، خصوصاً من أسر الرهائن والمعارضة، مع الاحتفاظ بخيار التراجع عن التنفيذ لاحقاً إذا لم تُستوفَ الشروط الأمنية..
ضغط شعبي في غزة
في غزة، يكشف الضغط الشعبي انقسامًا بين حماس وسكان القطاع. بعد أكثر من عامين من الحرب، التي دمرت البنية التحتية وتسببت في عشرات الآلاف من الضحايا، تتصاعد الأصوات الشعبية التي تطالب بوقف "جحيم الحرب". بعض المراقبين يرون أن قبول حماس المشروط قد يكون محاولة لامتصاص هذا الضغط، لكنه يعرضها لفقدان الشرعية إذا فشلت المفاوضات، مما يتيح لنتنياهو تصوير الحركة كعائق أمام مصالح سكان غزة.
الشيطان في التفاصيل
بعض المراقبين يرون أن الشيطان يكمن في التفاصيل، حيث النقاط العالقة مثل نزع السلاح، آلية إطلاق الرهائن، وترتيبات القوة الدولية تهدد بانفجار المفاوضات. حماس تستخدم هذه التفاصيل لكسب الوقت، بينما يستغلها نتنياهو لتصوير الحركة كعقبة، مما يحول السلام إلى ورقة ضغط. مع ضغط الوسطاء لإنقاذ الخطة، يبقى السؤال: ماذا سيفعل نتنياهو مع ترامب؟ هل سيستجيب لضغط ترامب ولابيد للانخراط في مفاوضات قد تؤدي إلى سلام هش، أم سيستغل قبول حماس المشروط للمراوغة، مرضيًا اليمين الإسرائيلي عبر تصعيد عسكري بدعم أمريكي؟