حورات خاصة

هل يمهد التصعيد بين الجزائر والمغرب لحربٍ وشيكة.. من سيدفع ثمن فاتورة العواقب الجيوسياسية!؟

تناقش صحف عربية وأجنبية منذ أيّام مسألة تأزم العلاقات بين الجزائر والمغرب، ولا سيّما بعد إلغاء الأولى العقد الخاص بنقل الغاز لإسبانيا عبر المملكة المغربية.

ولعلّ ما زاد حِدة التوتر بين الجزائر والمغرب، مقتل 3 مواطنين جزائريين مؤخراً في منطقة حدودية بين موريتانيا والصحراء الغربية المتنازع عليها، والتي اتهمت فيها الجزائر الرباط وحملتها المسؤولية.

ومنذ 24 أغسطس/آب العام الجاري، تعيش الدولتان أجواءً متوترة للغاية، عقب إعلان الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب على خلفية اتهامها الأخيرة القيام بما وصفته بـ”الأعمال العدائية”، ولا يخفى أن التوتر قائم منذ عقود ويزداد حِدّة بسبب قضية الصحراء الغربية التي ترى فيها الرباط جزءاً لا يتجزأ من أراضيها بينما تدعم الجزائر جبهة البوليساريو التي تسعى إلى استقلال الصحراء.

الأحداث الحالية بين الدولتين، خلَّفت الكثير من الأسئلة حول ما إذا كان التوتر قد يتصاعد لمراحل متقدمة تصل إلى نزاع مسلح وربما حرب وشيكة وأبرز الملفات التي تعقد الوصول إلى حلّ بينهما بالإضافة إلى تأثير وقف الجزائر تصدير الغاز عبر المغرب. للوقوف على كلّ هذه الأسئلة حاورت وكالة “ستيب الإخبارية” كلّ من حمزة رويجع باحث ومحلل سياسي مغربي والدكتور إدريس ربوح، مسؤول العلاقات الإفريقية بمجلس التعاون الأفرو-آسيوي وخبير في الشأن الجزائري.

الجزائر والمغرب
هل يمهد التصعيد بين الجزائر والمغرب لحربٍ وشيكة.. من سيدفع ثمن فاتورة العواقب الجيوسياسية!؟

هل يمهد التوتر لخلق مناخ حرب بين الجزائر والمغرب!؟

يقول حمزة رويجع الباحث والمحلل السياسي المغربي: “حسب التصريحات المتتالية للرئاسة الجزائرية، والتغطية الإعلامية المكثّفة لوسائل الإعلام الجزائرية الرسمية، يظهر أن هنالك رغبة جامحة من جهة الجزائر إلى خلق جو من التوتر في المنطقة المغاربية وجرّها نحو المجهول”.

ويضيف: “فالنظام الجزائري الحاكم، يسعى بكل الوسائل إلى اصطناع أزمة خارجية لحجب الأنظار عن الأزمات الداخلية المتعاقبة”، متابعاً “الجزائر تراهن على تصدير الأزمة إلى الخارج، عوض استثمار عائدات الغاز والبترول لصالح حاجيات الشعب الجزائري”.

ويزيد: “بالتالي أي تصعيد هو أحادي الجانب، أما من جهة المغرب فالصمت الديبلوماسي ما هو إلا عنوان للتبصر وضبط النفس، حيث يظلّ المغرب ملتزماً بمبادئ حسن الجوار كما عهده المجتمع الدولي، بل الأكثر من ذلك فهو يمد يده للجزائر من أجل الحوار وبداية صفحة جديدة، تعود بالنفع على كلا الجانبين وخاصةً تسريع الاندماج المغاربي المأمول”.

أسباب الخلاف بين الجزائر والمغرب

يرى رويجع أن أسباب الخلاف بين الدولتين المذكورتين متعددة، قائلاً: “أبرزها النزاع المفتعل حول قضية الصحراء المغربية، الجزائر تحتضن جبهة البوليساريو الانفصالية، سواء على المستوى الترابي بتندوف أو على المستوى الديبلوماسي، حيث أضحت هذه القضية الشغل الشاغل للخارجية الجزائرية بمختلف المحافل الدولية”.

ويتابع في ذات الصدد: “ويصرّ هذا النظام على معاكسة الوحدة الترابية للمغرب بشكل غريب وغير مفهوم، رغم أن التاريخ والواقع يؤكدان على مغربية الصحراء”.

“كما يشار إلى أن قرار مجلس الأمن 2602 الذي أكد على أن الجزائر طرف رئيسي في النزاع، مما يستوجب عليها الجلوس في مائدة الحوار برعاية الأمم المتحدة من أجل إيجاد حل سياسي دائم، حيث يظل المقترح المغربي بمنح الأقاليم الجنوبية حكماً ذاتياً، يلقى ترحيباً دولياً وإشادة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا عضوي مجلس الأمن بالأمم المتحدة. هذا القرار الأممي أثار من جديد حفيظة هذا النظام بشكل غير مفسر، حيث أن الخارجية الجزائرية هي الوحيدة التي نددت بالقرار، في الوقت الذي ينتظر منها أن تسهم في دعم المسلسل الأممي احتراماً للشرعية الدولية”.

“من جهةٍ أخرى، الملاحظ أيضاً أنه خلال العقدين الأخيرين، استطاع المغرب أن يحرز تقدماً ملحوظاً على المستوى الاقتصادي وتأهيل البنيات التحتية، بالإضافة الى تعزيز الحضور المغربي في القارة الإفريقية خاصةً بعد عودة المغرب للاتحاد الإفريقي، وهو ما أزعج نظام الجزائر الذي ظل يعيش على وقع الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالدولة المدنية”.

الحوار هو الحل

وحول مصير العلاقة بين المغرب والجزائر وكيفية إنهاء التوتر بينهما، يقول رويجع: “يصعب التكهن بانتهاء الأزمة بين عشيةٍ وضحاها، كون أن التوتر ممتد لعقود عدّة، وهو نتيجة أخطاء الجيل السابق، ونحن الجيل الحالي من يؤدي الفاتورة بشكل باهظ”، مضيفاً “الحوار الجاد والصريح الثنائي بين المغرب والجزائر هو الحل الأمثل لوقف هذا التصعيد الأحادي، هذا الحوار وجب أن يكون بدون شروط، ويجعل المصلحة العامة فوق النرجسية الذاتية”.

ويواصل حديثه: “وهنا لابدَّ من التأكيد على أن المغرب بادر أكثر من مرّة، لإرسال رسائل إيجابية إلى قصر مرداية، معرباً عن رغبته الجادة في تعزيز العلاقات الثنائية، خدمة لمصالح الشعبين والمنطقة الإقليمية عموماً، إلا أن الجانب الآخر ظل متعنتاً مستمراً في معاكساته ضد الوحدة الترابية للمغرب، خاصةً منذ تولي كل من عبدالمجيد تبون رئاسة النظام، وسعيد شنقريحة رئاسة أركان الجيش”.

تأثير وقف الجزائر تصدير الغاز عبر المغرب

في 31 أكتوبر/نوفمبر الفائت، قرر الرئيس الجزائري عدم تجديد عقد خط أنابيب الغاز الذي يزود إسبانيا بالغاز الجزائري مروراً بالمغرب.

الباحث السياسي المغربي تعليقاً على هذا الموضوع، قال: “القرار الجزائري بعدم تجديد عقد تصدير الغاز إلى إسبانيا والبرتغال عبر التراب المغربي، له تأثير مباشر على إمدادات القارة الأوروبية من الطاقة، وهذا يجعل الجزائر دولة غير موثوق بها، حيث خلطت خلافاتها السياسية مع مصالحها الاقتصادية التجارية، فهي تظل الخاسر الأكبر من قرار وقف أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي، خاصةً في ظل غياب ضمانات لنجاعة أنبوب ميد-غاز، الشيء الذي سيدفعها إلى تصديره عبر السفن البحرية كغاز مسال، وبالتالي مصاريف إضافية للنقل وتكرير الغاز”.

ويضيف: “أما التأثير على المغرب فهو جداً ضئيل في إنتاج الكهرباء، كما أن البدائل متوفرة سواء عبر توليد الطاقات النظيفة، حيث يتوفر المغرب على أكبر محطة شمسية في أفريقيا، أو اقتناء الغاز عبر حلفاء المغرب من الخليج إلى الولايات المتحدة الأمريكية”.

الصحراء الغربية قضية لا تنتهي

يقول الدكتور إدريس ربوح مسؤول العلاقات الأفريقية بمجلس التعاون الأفرو-آسيوي، حول الوضع المتوتر بين الجزائر والمغرب: “التوتر بدأ منذ سنة؛ وذلك عندما خرقت المغرب وقف إطلاق النار بينها وبين جبهة البوليساريو التي تنازعها منذ عقود على إقليم الصحراء الغربية، والذي هو تحت عِهدة بعثة الأمم المتحدة المينيرسو من أجل تنظيم استفتاء للشعب الصحراوي لتقرير مصيره”.

ويتابع: “هذا الخرق الذي تم بهجوم المغرب العسكري على معبر الكركرات الرابط بين الأراضي الصحراوية والأراضي الموريتانية في محاولة من المغرب لتقويض قواعد الاشتباك بين الطرفين وفرض أمر واقع، وهذا ما نتج عنه استئناف الجمهورية الصحراوية بقيادة البوليساريو للحرب مع المملكة المغربية رغم مساعي الاتحاد الأفريقي الذي تجلس فيه المملكة المغربية إلى جانب جارتها الجمهورية الصحراوية جنباً إلى جنب لرأب الصدع وتوقيت العمليات العسكرية واستئناف المفاوضات السياسية للوصول للحل العادل والنهائي”.

“هذا الوضع فجر الأوضاع في كامل المنطقة وهدد الحدود الأمنية للجزائر؛ وذلك منذ 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، تاريخ تجدد القتال بين الطرفين المتنازعين على الصحراء الغربية، ليأتي 1/نوفمبر 2021 ليستهدف مدنيين جزائريين ينشطون في نقل البضائع بين الجزائر وموريتانيا من طرف قوات الاحتلال المغربي الصحراء الغربية ليفجر الأوضاع أكثر ويعطي لهذا الحرب زخماً أكبر ويصل التوتر بين الجزائر والمغرب إلى مستويات أعلى وهي مرشحة للأسوء”.

أبرز الملفات تعقيداً بين الجزائر والمغرب

يرى ربوح أن “الأزمة مرشحة للتجذر وستكون الساحات السياسية والدبلوماسية والأمنية والعسكرية تجليات هذه الأزمة”.

ويزيد: “فعلى الصعيد الديبلوماسي؛ فالجزائر أخطرت المنظمات الدولية والإقليمية التي توجد فيها الجزائر والمغرب وهي منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية بالعدوان الإرهابي للمملكة المغربية ضد سواق الشاحنات الجزائريين الناشطين بين محور ورقلة نواكشوط في إطار المبادلات التجارية بين الشعبين الجزائري والمغربي.

وهذا الإخطار لتتحمل هذه المنظمات الدولية مسؤولياتها السياسية والقانونية وفق مواثيق تأسيسها وجميع المعاهدات التي تم إبرامها للحفاظ على السلم والأمن الدوليين والتدابير الواجب اتخاذها تجاه الأطراف المعتدية، وبذلك تتصرف الجزائر كدولة منضبطة بالقانون الدولي رغم التفوق العسكري الكبير الذي تملكه وترجيحها للحلول الديبلوماسية حفاظاً على السلم والأمن الدوليين.

أما على المستوى السياسي، ستواصل الجزائر تعميق علاقاتها السياسية والاقتصادية مع تونس وليبيا، وتجسد ذلك في اجتماع وزراء خارجية الثلاث بالجزائر العاصمة للاحتفال بالذكرى 67 للثورة الجزائرية، حيث أكدوا على تعميق التعاون ومواصلة سنة المشاورات السياسية بينهم، ونتيجة ذلك تكتل مغاربي جديد بدون المغرب في انتظار موريتانيا التي لها علاقات وثيقة بالجزائر على المستوى السياسي والاقتصادي حيث أصبحت الجزائر البلد الأفريقي الأول في المبادلات التجارية مع موريتانيا ورغبة الموريتانيين في لعب دور بوابة أفريقيا الغربية لشمالها، وهذا ما تدعمه الجزائر مما يشجع موريتانيا للانجذاب أكثر نحو التكتل الجديد المبني على المصالح المشتركة وحسن الجوار فضلاً على الروابط الاجتماعية والثقافية.

أما على الصعيد الأمني، فسيتم تعزيز التعاون الأمني بين الجزائر وموريتانيا والصحراء الغربية من أجل حضور أمني أكثر في المناطق الحدودية بين البلدان الثلاثة.

وعلى الصعيد العسكري، فسيكون الرّد الجزائري في الوقت المناسب وبطريقة تحقق الهدف من استعماله. أما على المستوى الاقتصادي، ستواصل الجزائر عقوباتها الاقتصادية للمغرب والتي ستكشف عنها الأيام والأسابيع القادمة”.

تفعيل العقوبات الاقتصادية

وفيما يتعلق بأبرز السيناريوهات المحتملة خلال الأيام القليلة المقبلة، أوضح مسؤول العلاقات الأفريقية بمجلس التعاون الأفرو-آسيوي أن “انضباط الجزائر وتحركها على المستوى الديبلوماسي والسياسي وتفعيل العقوبات الاقتصادية وتعزيز التعاون الأمني لتأمين منطقة التوتر وردع المغرب للقيام بأي مغامرة جديدة تستهدف المدنيين باستخدام السلاح والخبرة الصهيونية وإلزام المغرب للبقاء وراء الجدار العازل الفاصل بين الأراضي الصحراوية المحتلة، والتي يسيطر عليها والأراضي الصحراوية المحررة والتي تسيطر عليها قوات الجيش الشعبي الصحراوي هو السيناريو الأرجح”.

قضية وقف تصدير الغاز عبر المغرب

ربوح وتعليقاً على قرار الرئيس الجزائري بوقف تصدير الغاز عبر المغرب، أشار إلى أن وقف الجزائر تصدير الغاز لإسبانيا والبرتغال عبر أنبوب الغاز المغرب العربي- أوروبا، والمار عبر الأراضي المغربية “لن يكون له أي تأثير على إمدادات الغاز نحو الدولتين الأوروبيتين، لأن الجزائر حضرت لهذا السيناريو وذلك بإنشاء خط الغاز ميدغاز العابر للبحر الأبيض المتوسط والرابط بين مدينة بني صاف الجزائرية ومدينة الميريا الإسبانية.

وأي نقص متوقع في المرحلة من استعمال هذا الأنبوب فسيتم التكفل بنقل الفارق الذي تطلبه هذه الأسواق الأوروبية عن طريق بواخر النقل العملاقة للغاز الطبيعي المسال، لهذا فإن التعاقدات بين الجزائر وشرائكها الأوروبيين سيتم الالتزام بها”.

ويردف القول: “في حين ستضرر المغرب من قطع أنبوب الغاز المار بها، حيث كانت تستفيد بنسبة من كمية الغاز الجزائرية كحقوق عبور ونسبة تشتريها بأسعار تفضيلية قدمتها الجزائر كعربون لبناء صرح اتحاد المغرب العربي”.

ويضيف: “وعليه فإن المغرب الذي يدفع ثمن التطبيع مع الصهاينة وثمن دعوته لضرب الوحدة الترابية للجزائر، سيتضرر لا محالة من هذه العقوبة وستتضرر القطاعات المستفيدة من الغاز الجزائري وبالخصوص إنتاج الكهرباء مما يحتم عليه تعويضها بإمدادات بديلة ولا تمكن في جميع الأحوال أن تكون في مستوى الامتيازات التي كانت تستفيد منها المملكة المغربية من الغاز الجزائري”.

حاورتهما: سامية لاوند

معاينة مربع3 1
هل يمهد التصعيد بين الجزائر والمغرب لحربٍ وشيكة.. من سيدفع ثمن فاتورة العواقب الجيوسياسية!؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى