اقتصاد ومال

أمريكا تقوم بأمر يشكل خطراً على اقتصادها واقتصاد العالم أجمع

تحت عنوان “إذا كانت الحكمة (فضيلة)، فإن ميزانية أمريكا هي (الرذيلة)”، حذرت مجلة “Economist” البريطانية في تقريرٍ نشرته قبل يومين من أن “الاقتراض المتهور” الذي تقوم به أمريكا بات يشكل خطراً على اقتصادها واقتصاد العالم أجمع، مشيرةً إلى أن الفوضى المالية باتت تهدد اقتصادات العالم.

– أمريكا تقوم بأمر يشكل خطراً على اقتصادها واقتصاد العالم أجمع

وقالت المجلة: إنه على مدى الأشهر الـ 12 الماضية، أنفقت الحكومة الفيدرالية الأمريكية 2 تريليون دولار، أو 7.2% من الناتج المحلي الإجمالي، أي أكثر مما جمعته من الضرائب، بعد استبعاد العوامل المؤقتة٬ وعادة ما يكون هذا العجز الهائل نتيجة للركود والتحفيز المصاحب له. 

واليوم يأتي الاقتراض المسرف على الرغم من أطول فترة من البطالة في أمريكا بلغت نسبة أقل من 4% خلال نصف قرن من الزمن، حيث لم يكن العجز أقل من 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مقياس قديم للإدارة المالية السليمة، منذ عام 2015، وفي العام المقبل من المحتمل أن يتجاوز صافي ديون “العم سام” 100% من الناتج المحلي الإجمالي، أي بزيادة بنحو الخمسين في غضون عقد من الزمن. 

وفي حين كانت أسعار الفائدة القريبة من الصفر تجعل الديون الكبيرة في المتناول ذات يوم، أصبحت أسعار الفائدة اليوم أعلى، وتنفق الحكومة على خدمة الدين أكثر من إنفاقها على الدفاع الوطني، فكيف وصل الحال إلى هذا؟ 

– خطوات توضح خطورة الفوضى المالية التي تعيشها أمريكا اليوم

في هذا الخصوص، تقول الإيكونومست: لقد تراكمت تكاليف الحروب والأزمة المالية العالمية والأوبئة والتخفيضات الضريبية غير الممولة وبرامج التحفيز، ويتحدث كل من الجمهوريين والديمقراطيين عن المسؤولية المالية٬ لكن سجل كل جانب في السلطة هو إلقاء الحذر في مهب الريح، حيث ينغمسون في الإنفاق الإضافي أو التخفيضات الضريبية، وأن أكبر قرار اقتصادي يواجه الرئيس المقبل هو مدى سخاء تجديد التخفيضات الضريبية التي أقرها دونالد ترامب لعام 2017، وهي الخطوة التي لن تؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة المالية الوخيمة في أمريكا.

وأوضحت الصحيفة أنه لا يمكن لهذا الإسراف أن يستمر إلى الأبد، ففي مرحلة ما، سوف ترتفع تكاليف الفائدة إلى مستويات لا تطاق، لذلك يجب أن تنتهي هذه الشراهة بمزيج من 3 طرق، الأقل إيلاماً هو أن يأتي الحظ السعيد للإنقاذ٬ فحتى وقت قريب، كان انخفاض أسعار الفائدة الحقيقية العالمية سبباً في احتواء تكاليف خدمة الديون حتى مع نمو حجم هذه الديون. 

واليوم، تمكنت اليابان من إدارة ديونها الصافية التي تعادل تقريباً نصف ديون أمريكا، نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وذلك بفضل أسعار الفائدة القريبة من الصفر.

وإذا هُزم التضخم وتراجعت أسعار الفائدة الحقيقية عن أعلى مستوياتها الحالية، فقد تخرج أمريكا أيضاً من مأزقها، وقد يكون نمو الإنتاجية مصدراً آخر للإغاثة، وإذا ارتفعت، على سبيل المثال بسبب الذكاء الاصطناعي، فقد تتخطى أمريكا ديونها.

وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن افتراض الحظ الجيد، ولكن الطريقة الأكثر مسؤولية بالنسبة للساسة لإنهاء الإسراف في الميزانية تتلخص في تصحيح المسار مع ارتفاع فاتورة الفائدة.

وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن أمريكا سوف تحتاج إلى خفض الإنفاق، باستثناء فوائد الديون، أو زيادة الضرائب بنسبة 4% من الناتج المحلي الإجمالي لتثبيت استقرار ديونها بحلول عام 2029. وقد تمكنت من تعديل مماثل من قبل، بين عامي 1989 و2000.

والمشكلة هي أن الظروف كانت آنذاك مناسبة تماماً لشد الحزام، لقد أسفرت نهاية الحرب الباردة عن مكاسب السلام: فقد كان انخفاض الإنفاق الدفاعي مسؤولاً عن 60% من التعديل المالي، وكنسبة من السكان ارتفعت القوة العاملة إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، كما أن طفرة الأجور الحقيقية جعلت الألم الناجم عن ارتفاع الضرائب أكثر احتمالاً. 

لكن الحرب اليوم والتوترات العالمية المتزايدة تدفع الإنفاق الدفاعي إلى الارتفاع، ويتقاعد جيل الطفرة السكانية بأعداد كبيرة.

أمريكا تقوم بأمر يشكل خطراً على اقتصادها واقتصاد العالم أجمع
أمريكا تقوم بأمر يشكل خطراً على اقتصادها واقتصاد العالم أجمع

شبح ارتفاع التضخم والديون بلا حدود يلاحقان الاقتصاد الأمريكي

ويترك هذا الخيار الثالث والأكثر إثارة للقلق: إرغام الدائنين على السداد، ولن تضطر الأسواق أمريكا أبدا إلى التخلف عن السداد، لأن بنك الاحتياطي الفيدرالي يستطيع أن يعمل كمشتري الملاذ الأخير.

ولكن التراخي المالي قد يؤدي إلى التضخم، وهو ما يعني أن حاملي السندات والمدخرين سيتعرضون لضربة كبيرة بالقيمة الحقيقية.

وإحدى الطرق التي يمكن أن يحدث بها هذا هي أن يسيطر شعبوي مثل ترامب على بنك الاحتياطي الفيدرالي، وقد طرح مستشاروه أفكاراً للتأثير على السياسة النقدية، بما في ذلك تعيين رئيس مطواع وإعطاء الكونغرس الإشراف على أسعار الفائدة، وترامب يحب أسعار الفائدة المنخفضة، وإذا اقترنت بالعجز المتزايد، فسوف يرتفع التضخم، بحسب ما قالته الصحيفة.

وحتى لو احتفظ بنك الاحتياطي الفيدرالي باستقلاله، فقد يصبح عاجزا إذا سمح الكونغرس للديون بالارتفاع بلا حدود، وعندما يكون رد فعل الحكومة على ارتفاع أسعار الفائدة هو اقتراض المزيد لخدمة ديونها، فإن التدابير المتشددة يمكن أن تؤجج التضخم بدلا من احتوائه – وهي حلقة مرتدة مألوفة في أمريكا اللاتينية.

وإلى ذلك، يقول المنشقون إنها جارية بالفعل في أمريكا، وإن تشكيكهم سابق لأوانه، لكن أسعار الفائدة الأعلى يمكن أن تغذي الميزانية بسرعة كبيرة، وبعد حساب الميزانية العمومية لبنك الاحتياطي الفيدرالي، فإن متوسط ​​الدين بالدولار يظل على سعر فائدة ثابت فقط حتى يونيو/حزيران 2025.

– الفوضى المالية التي تعيشها أمريكا ستنعكس على العالم كله

تقول المجلة البريطانية: إن أمريكا الأقل استقراراً من شأنها أن تسبب الألم في الداخل بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، والمزيد من عدم اليقين، وإعادة التوزيع التعسفية من الدائنين إلى المدينين.

ولكن التكاليف ستكون محسوسة على المستوى العالمي أيضاً، والسبب هو أن الدولار هو العملة الاحتياطية في العالم. 

ومن خلال الدولار تقدم أمريكا خدمة فريدة من نوعها: توفير الأصول الوفيرة المدعومة باقتصاد ضخم، وسيادة القانون، وأسواق رأس المال العميقة، وحساب رأس المال المفتوح.

ولا يمكن لأي أصل آخر أن يؤدي هذا الدور اليوم، وحتى لو اجتذب الدولار علاوة المخاطر للتعويض عن خطر التضخم، فربما يضطر العالم إلى الاستمرار في استخدامه.

ولكن العالم الذي تنخفض قيمة عملته الاحتياطية سيكون عالماً أكثر فقراً، وسوف يكون رأس المال أكثر تكلفة في كل مكان، وسيكون النظام المالي العالمي أقل كفاءة، وسوف يظل المستثمرون في بحث مستمر عن بديل قابل للتطبيق للدولار، مع التهديد بحدوث تحول فوضوي إذا ظهر مثل هذا البديل، إن الفوضى المالية التي تعيشها أمريكا هي من صنع الداخل، ولكن لا يخطئن أحد: إنها مشكلة سيكون آثارها على العالم كله.

أمريكا تقوم بأمر يشكل خطراً على اقتصادها واقتصاد العالم أجمع
أمريكا تقوم بأمر يشكل خطراً على اقتصادها واقتصاد العالم أجمع

اقرأ أيضا:

)) ما مصير الشركات ومنشئي المحتوى بعد حظر تيك توك في أمريكا؟.. تقرير يجيب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى