أدب وفنون

عن أشهر معتقلات الجزائر في حقبة الاستعمار.. قضايا شائكة تعالجها رواية “نزلاء الحراش”

 

يقدّم الروائي الجزائري الحبيب السائح، في رواية “نزلاء الحراش” رؤية متكاملة حول تفاصيل وشخصيات كثيرة، خلال الحقبة الاستعمارية، تُعنى فقط بالأحداث والنتائج والقادة، ولا تلتفت إلى اللحظات الأخيرة للمجاهدين والمجاهدات، الذين فارقوا الحياة نتيجة للبرد القارس في الجبال، أو نتيجة لرصاص المستعمر أو شفرة المقصلة أو حبل المشنقة.

 

رواية نزلاء الحراش

تتحدث رواية نزلاء الحراش عن الحقبة الاستعمارية وحرب التحرير وسنوات الاستقلال، والسجون المظلمة، وترصد عدة أجيال، جيل ما قبل حرب التحرير، وجيل التحرير، وجيل ما بعد حرب التحرير، لم يظهر الجيل الأول في الرواية بشكل واضح كالجيلين اللاحقين، لكن بدرت بعض الإشارات إلى حركة مقاومة المستعمر منذ بدأت نواياه الإحتلاليّة والاستيطانيّة تتضح أمام الجزائريين من شتى الأعراق والأديان.

 ثم جاء جيل حرب التحرير من خلال شخصية الأب منصور شملول المجاهد في حرب التحرير، الذي ظلّ متمسّكًا بالمثل العليا للثورة، في حين انتهج بعض رفاقه منهجا مغايرا وتعرّض للملاحقة والاستهداف من قبلهم لمواقفه التي لم تتبدّل.

شخصية شملول الأب هي الصورة المشرقة للثورة التي وصفها في حديثه مع ابنته حبيبة: “ولستُ اليوم، وأنا في هذه الزنزانة، التي رفعتُ السلاح لإنهاء وجودها، سوى واحد ممن جهروا بالحقيقة التي عاشوها خلال حرب تحرير لم تكن بين إخوة السلاح نقيّةً تماما”.

8390

شملول الذي ظل يتذكر حسناء رفيقة السلاح التي روت بدمائها ودماء آلاف الشهيدات شجرة الحرية التي كبرت، ثم كانت المفارقة ليأتي من أبناء هذه الشجرة من أساء إليها. الأمر الآخر هو مذكرات الضابط الفرنسي فيليب لاركي، وهي إشارة إلى وجود رأي آخر في ما حدث من وجهة نظر المستعمر الفرنسي، لكنها كانت في مجملها شهادات منقوصة تقوم على المبالغة والتهويل.

جيل الأبناء، فيصل الصحافي، ومحمود الأستاذ الجامعي، والحسين المقاول الذي يظهر بصورة لا يرضى عنها الأب المخلص للمصالحة الوطنية.

عبد المعطي كرّاف “أبو قتادة” المنتمي للتيارات المتشددة خلال الحرب الأهلية يغتال محمود الأستاذ المؤمن بضرورة التغيير، فيقوم الحسين بالثأر لمقتل أخيه ويُسجن في الحرّاش، ويتمكن من خلال دفع الرشاوى، حماية نفسه ثم الفرار من السجن ذي السمعة السيئة.

اقرأ أيضاً:

عمره بين400 إلى 500 عام..منزل نزار قباني معروض للبيع في دمشق وهذا ما قاله فيه

الحسين لا يؤمن بجدوى تضحية أبيه وأمه جوهر الأندلسي في الحرب، بينما يرى فيصل أن الصحافة إحدى دعامات المجتمع المدني والحرية وحقوق الإنسان، ويشارك هو وحبيبته الصحافية نبيلة المرملي في الحراك الذي يطيح بالرئيس.

الرئيس الذي اخترق الدستور منذ الولاية الثالثة، وكان يسعى لولاية خامسة، فسقط تحت وطأة حراك 22 فبراير/شباط بعد عشرين عاما من الحكم الفردي، تفشّى خلالها الفساد في مؤسسات الدولة.

ولم تنتهي صفحات رواية نزلاء الحراش دون أن تظهر مسألة الهوية على السطح من خلال شخصية، مومن شتوري، الذي قتل جارته الأستاذة الجامعية عالية ترغاس، وأظهرت نتائج التحقيق أن دوافع القتل كانت سياسية، حيث كانت ترغاس ناشطة في هذا المجال وتبدي رأيا مخالفا لرأي دوائر السلطة، وتنتقد المآلات الاقتصادية السياسية والاجتماعية التي أفرزتها سياسة الحزب الواحد.

العنصرية والتمييز في رواية “زهر الغرام” محاكاة للواقع وتأنيب للمجتمع

 لكن يتضح لاحقا أنّ مومن من أصول يهودية، وقد أخفت أمه هذه الحقيقة لتعود وتظهر من جديد في بحث للدكتورة ترغاس عن اليهود الذين لا يعون خلفيتهم الدينية والثقافية لسبب أو لآخر. يغرّر به صديقه ويحرضه على قتل ترغاس، بعد أن يدفع له ببعض حبوب الهلوسة التي تُذهب عقله.

وتذهب رواية نزلاء الحراش من خلال شخصية مومن إلى أدب السجون، حيث رسمتْ تفاصيل المشهد الذي صوّر وحشية السجون بأبشع صورها، من خلال معاناته خلف القضبان حيث تُطمس شخصية مومن الذكورية بالقوة والإكراه على يد سجين شاذ، يجبره على التّشبّه بالفتيات سلوكًا وشكلًا واسما، لتلبية شذوذ المساجين حتى نسي مومن هويته الجنسيّة.

اقرأ أيضاً:

رواية حطب سراييفو إفرازٌ من نزف الحروب.. في بقاع الأرض

وما هذا الخلل الفادح في معاملة بعض السجناء من المسؤولين السابقين، سوى تتمّة لحلقة الفساد المستشري في مفاصل الدولة ومنها سجن الحرّاش، الذي قالت عنه إحدى الشخصيّات:

“إنها متلازمة سجن الحرّاش، باعتباره مجتمعا مصغّرا للوحشيّة والقسوة ونفي الإرادة. أي، خلاصة القهر المؤدي إلى العدم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى