ما أن كشفت اليونان عن نيّتها في إرسال منظومة “S300” الروسية الصنع إلى أوكرانيا، حتى وجّهت موسكو تحذيراً شديد اللهجة إلى أثينا، مذكرةً إيّاها باتفاقيتي 30 أكتوبر/تشرين الأول 1995 و3 ديسمبر/كانون الأول 2013، التي تحظر بشكل قاطع إعادة تصدير المعدات العسكرية إلى أطراف ثالثة دون موافقة روسيا.

وأثارت الخطوة تكهنات حول ما قد تفعله تركيا جارة اليونان التي تعيش معها توتراً مستمراً رغم وجودهما في حلفٍ واحد “الناتو”، فيما يعتقد خبراء أن أنقرة حليفة موسكو لن تصمت حيال ذلك لا سيما أن أثينا اشترطت على واشنطن الحصول على منظومة باتريوت ونشرها في جزيرة كريت مقابل هذه الخطوة، في وقت فشلت تركيا في الحصول عليها رغم محاولات كثيرة.

يقول الخبير الاستراتيجي العميد سمير راغب، إنَّ موضوع إعطاء اليونان منظومة “S300” لأوكرانيا مشروط بأن تحصل أثينا على باتريوت من أمريكا وأن تقوم واشنطن بتشغيلها في جزيرة كريت.

ويضيف لوكالة ستيب الإخبارية: “هنا تبقى اليونان قد حصلت على منظومة باتريوت رغم أن جارتها تركيا تطلب المنظومة منذ أكثر من 4 سنين، أي منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وأمريكا ترفض طلبها”.

ويتابع: “إذا توفر هذا الشرط ستمنح اليونان S300 لأوكرانيا ولن يكون لديها مشكلة في ذلك، ومن الممكن أن تعطيها تور ونظام أوسا”.

وكانت صحيفة كاتيريني اليونانية قد كشفت، في وقتٍ سابق، بأن الولايات المتحدة اقترحت على اليونان استبدال أنظمة “إس 300″ و”تور” بالأنظمة الأمريكية.

مقايضة S300 بباتريوت

بحسب الخبير الاستراتيجي، ستكون هناك مقايضة “تعطي أمريكا الدول الحليفة ودول الناتو التي تملك منظومة S300 الروسية الصنع منظومة باتريوت، في المقابل أن تعطي هذه الدول S300 لأوكرانيا.

ويزيد: “بهذه الخطوة لن يخرج سر أي تكنولوجيا” مضيفاً “ولو هُزِمَتْ منظومة S300 في المعركة يعني ذلك أن سلاح روسي هزمَ سلاحاً روسياً، وبالتالي لن يكون باتريوت طرفاً في الموضوع”.

راغب مضى في القول: “عندما بدأت أوكرانيا معركتها كانت تملك S300 وأوسا وتور وغيرها من الأنظمة، الفكرة هي معركة جو ما بين الطائرات وأنظمة دفاع جوي”، متابعاً “أي لو كان هناك تفوق جوي يبقى كم الدفاع الجوي مقابل كم الطائرات، وكذلك الكيف، مثلاً قد يكون لديك الكثير من أنظمة الدفاع الجوي لكن الطائرات متفوقة وتستطيع التعامل معها من أقسى مدى صاروخ دفاع جوي”.

ويتابع: “الرادار دائماً يكشف الطائرة بضعف مدى الصاروخ، لأنه يكون قد رأى الطائرة قبل أن تدخل في مدى التتبع، ولكن قبل أن تتعامل مع الطائرة قد تتمكن الأخيرة من تدمير الرادار أو منظومة الصواريخ”.

ويردف: “لكن الأوكرانيين نجحوا في إسقاط الطائرات بما فيها طائرات حديثة من سو 35 وميغ 29، وهذه ليست أنواع قديمة، فكل مرحلة قادمة من المعركة سيكون فيها أنظمة جديدة كما دخلت أنظمة درونز الإيرانية”.

ويضيف: “المعركة صعبة لأن الجانب الروسي يملك منظومة كبيرة من الطائرات من أجيال مختلفة وزاد عليها الدرونز، ولكن لو دخل باتريوت سيشكل فرقاً ولو لم يدخل ستكون كثافة S300 كبيرة، يعني تحصل أوكرانيا على أكبر عدد ممكن منها فتصنع حائطاً من الصواريخ يستطيع أن يستنزف الطائرات ويدمرها”.

لماذا ترغب واشنطن في التخلص من الأسلحة السوفيتية؟

الخبير العسكري العميد سمير راغب، يقول: “كانت فكرة حصول قبرص واليونان على منظومة S300، مشكلة كبيرة جداً بالنسبة لأمريكا، لأكثر من سبب منه قانون كاتسا الذي يضع عقوبات على الدول التي تتعامل مع روسيا، مثل الذي طُبِقَ في جزء منه- وإن كان ضعيفاً- على تركيا والذي دائماً يهددون به أي دولة تود الحصول على سلاح روسي.

ففي الفترة الأخيرة، أصبحت الصواريخ الروسية من سلسلة S300 و S400 منافساً للأسلحة الأمريكية، حيث طلبتها كندا والهند وأخذتها تركيا، كما طلبتها دول عربية عدا الجزائر التي تعد زبونة أصلية لدى روسيا، تملك آخر إصدار من «S300» الذي هو «بي أم يو 2»”.

ويضيف: “أمريكا المنتج والمصدر الأول للسلاح، فيما روسيا تعد المصدر الثاني عالمياً والصين المنتج الثاني، لأن معظم إنتاج بكين يبقى داخلها ولا يتم تصديرها، بالتالي الفجوة كبيرة بالنسبة لأمريكا، وهذه الفجوة ستبقى تتقلص لأن من يسيطر على سوق السلاح يصاحبه تفوق عسكري وتفوق في التحالفات، فما يربط الدول بقوة كبيرة هو سوق السلاح.

وكذلك فكرة أن يهزم السلاح الروسي بعضه البعض، يعني لو الطائرة سو 35 أو 34 أسقطها صاروخ S300 يكون دعاية سيئة للطائرة، ولو دمرت الطائرة الصاروخ يبقى دعاية سيئة للصاروخ. وهنا تبقى الحرب دعاية سلبية لكافة السلاح الروسي لو تكلمنا على المعارك الجوية ما بين الصاروخ والدفاع الجوي”.

راغب أردف: “ولتحافظ أمريكا على نفسها كقوة عظمى وقوة متفوقة في بيئة السلاح وإنتاجه، يجب أن تمنع الدول بالإقناع أو بالمحفزات بألا تشتري أو تحصل على السلاح الروسي وليس فقط في استخدام العقوبات”.

ورغم عضويتها في منظمة الحلف الأطلسي، كانت اليونان قد حصلت على نظام ضمن ما يعرف “أزمة إس 300 القبرصية” على إس 300 الروسي نهاية التسعينات.

هل تزعج خطوة اليونان تركيا؟

حول موقف تركيا من خطوة اليونان، يقول الخبير العسكري: “لا شك أن فكرة الصراع ما بين تركيا واليونان هي حالة لا سلم ولا حرب، تتأثر بأي تفاعلات خاصة معروف عن أردوغان أنه عصبي في ردة فعله «انفعالي»، وهذه الخطوة قد تدفعه إلى أن يضع مثلاً نظام دفاع جوي في قبرص الشمالية أو يزيد من مشترياته لأنه بجميع الأحوال قد حصل على عقوبات من أمريكا”.

ويواصل حديثه: “لكن نأخذ في الاعتبار أن هذه الخطوة أيضاً ستزعج موسكو، ولكن الروس يعلمون أن اليونان دولة في الناتو وهي بالأصل حليفة للولايات المتحدة؛ فالموقف لن يكون مفاجئاً لها لكن يجب أن نأخذ في الاعتبار العلاقة ما بين تركيا وروسيا اللتان أصبحتا الصديق اللدود.

تركيا تزود أوكرانيا بطائرات بيرقدار وبهيمارس التركي، وبالتالي موقف الأتراك مع روسيا لم يعد بالقوة التي كانت عليها عندما حصلت على S400، ولكن قد تضغط تركيا على أمريكا في فكرة أعطونا F35 و باتريوت وإلا نغير موقفنا.

نعم سيكون هناك تأثير لكن لن يكون كبيراً كما يتصور، لأن هناك صراع ممتد ومجمد وجبهات ساخنة”.

هل تسمح روسيا لليونان بمنح أوكرانيا S300؟

اعتبرت وزارة الخارجية الروسية أن مخططات اليونان بتفويت منظومة S300 إلى أوكرانيا “عمل عدائي” ضد روسيا وهددت بالرد، مذكرةً أثينا باتفاقيتي 30 أكتوبر 1995 و 3 ديسمبر 2013، بشأن توريد المنتجات العسكرية إلى أطراف ثالثة دون موافقة موسكو.

يقول الخبير الاستراتيجي العميد سمير راغب، إنَّ موضوع العلاقات اليونانية الروسية يعتمد أولاً على ترخيص المستخدم النهائي، “أي أنه من المفروض عندما يبيع المستخدم النهائي السلاح الذي يصله -أقول نهائي لأن السلاح من الممكن أن يصل عن طريق دولة وسيطة- يحدد هل يحق لي أن أبيعه لدولة أخرى دون الرجوع لدولة المصنع، فوجود هذه النقطة يعني هناك نزاع قانوني، لأن بيع السلاح جزء من الاقتصاد وليس فكرة المحاربة به فقط.

أنا أشك في أن الروس وضعوا هذه النقطة، لأن هناك الكثير من الأسلحة الروسية تخرج من بلد لبلد آخر”.

ويزيد: “اليونان لو سلمت السلاح الروسي لأوكرانيا، يكون ذلك وصمة غير جيدة كدولة تحصل على سلاح ثم تسلمه وتمنحه لدولة أخرى في حالة عداء وهنا المشكلة، لكن فكرة التوتر فالروس لديهم أدوات كثيرة للتصعيد مع اليونان فمن الممكن أن يدعموا تركيا ويقوموا بمناورات في البحر مع تركيا وغيرها للرد بها”.

ستيب: سامية لاوند