بعد أشهر من المفاوضات الماراثونية بين واشنطن وبكين لاحتواء التوترات التجارية المتفاقمة منذ مطلع العام، انهارت الجهود فجأة مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه “لم يعد هناك داعٍ للقاء الرئيس الصيني شي جين بينغ”.
لكن الصدمة الأكبر جاءت بعد ساعات فقط، حين أعلن ترامب أن الولايات المتحدة ستعيد فرض الرسوم الجمركية الكاملة بنسبة 100% على جميع الواردات الصينية ابتداءً من الأول من نوفمبر المقبل، في خطوة أنهت عملياً الهدنة التجارية القصيرة بين البلدين.
بكين تفاجئ واشنطن
التحول المفاجئ في الموقف الأميركي جاء عقب سلسلة إجراءات أعلنتها الصين، واعتُبرت بمثابة تصعيد اقتصادي مباشر، فقد وسّعت وزارة التجارة الصينية نطاق القيود على صادرات المعادن النادرة، التي تدخل في صناعة الرقائق الإلكترونية والسيارات الكهربائية والأنظمة العسكرية، مضيفة شرطاً جديداً يُلزم أي شركة – سواء كانت داخل الصين أو خارجها – بالحصول على ترخيص رسمي إذا تجاوزت نسبة هذه المعادن 0.1% من قيمة المنتج المصدر.
كما منعت بكين تصدير هذه المواد لاستخدامها في الصناعات العسكرية الأجنبية، وفرضت في الوقت ذاته رسوماً جديدة على السفن الأميركية، وفتحت تحقيقاً في قضايا مكافحة الاحتكار ضد شركة التكنولوجيا الأميركية العملاقة كوالكوم.
المعادن التي تحرك الاقتصاد العالمي
تعد “العناصر الأرضية النادرة” بمثابة العمود الفقري للصناعات التكنولوجية الحديثة. فهذه المعادن، رغم أنها ليست نادرة من حيث الوجود، يصعب استخراجها بسبب توزعها المعقد وارتباطها الجيولوجي بمعادن أخرى، ما يجعل الصين المنتج والمصدر الرئيسي لها عالمياً.
وتشير تقارير وول ستريت جورنال إلى أن من أبرز هذه العناصر الديسبروسيوم، الذي يُستخدم في صناعة محركات السيارات الكهربائية وتوربينات الطاقة الريحية والأنظمة العسكرية الدقيقة.
ويحذر خبراء من أن القيود الصينية قد تؤثر بشكل مباشر على شركات أميركية كبرى مثل فورد وإنفيديا، إضافة إلى بوينغ التي تعتمد بدورها على بعض هذه المواد في مكونات الطيران، سواء للأغراض المدنية أو الدفاعية.
واشنطن ترد بلهجة نارية
ترامب لم يتأخر في الرد، إذ كتب في منشور على منصة “إكس”: “في ضوء الإجراء العدائي الذي أصدرته الصين، سأتحرك بصفتي رئيس الولايات المتحدة للرد مالياً”.
وأضاف في منشور لاحق: “لا أرى سبباً للمضي قدماً في الاجتماع المقرر مع الرئيس شي خلال قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC) بعد أسبوعين”.
واتهم ترامب بكين بأنها تسعى إلى “خنق الأسواق العالمية” عبر فرض قيود شاملة على تصدير المعادن النادرة، قائلاً إن هذه الخطوة تهدد “الوصول العالمي إلى المواد الخام الأساسية المستخدمة في رقائق الكمبيوتر والمعدات الطبية وتكنولوجيا الدفاع”.
عودة حرب الرسوم
بهذه التصريحات والإجراءات المتبادلة، تبددت سريعاً الآمال التي كانت معقودة على تحقيق اختراق في العلاقات الاقتصادية بين القوتين العظميين. وكان المستثمرون يترقبون اتفاقاً تجارياً جديداً يُعيد التوازن إلى الأسواق بعد سنوات من الاضطراب، غير أن التصعيد الأخير أعاد الملف إلى المربع الأول.
ويخشى محللون أن تكون هذه الجولة الجديدة من “حرب الرسوم” أكثر حدة من سابقتها، إذ باتت تمس جوهر الصناعات التكنولوجية العالمية، وتُنذر باضطرابات أوسع في سلاسل الإمداد والاقتصاد الدولي بأسره.