تشهد مدينة قابس، الواقعة جنوبي شرقي تونس، تصعيداً متزايداً في الاحتجاجات الشعبية ضد المجمع الكيميائي التونسي، وسط اتهامات للسلطات بـ"القمع" واعتقالات طالت عشرات المحتجين، فيما أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل عن إضراب عام في المدينة تضامناً مع المتظاهرين.
تصاعد الغضب الشعبي
وقالت مصادر محلية إن قوات الأمن أوقفت، فجر السبت 18 أكتوبر/تشرين الأول، أكثر من مئة متظاهر خلال احتجاجات مطالبة بإغلاق المجمع الكيميائي، الذي يتهمه السكان بأنه المسؤول عن التلوث البيئي وتدهور الوضع الصحي في المدينة.
وخلال الأسابيع الأخيرة، خرج الآلاف من سكان قابس في مظاهرات متكررة رفعوا خلالها شعار "أوقفوا التلوث"، مطالبين الحكومة بتنفيذ قرار 2017 القاضي بتفكيك الوحدات الملوثة، وإلغاء قرار عام 2025 الذي ضاعف الإنتاج في قطاع الفوسفات، إضافةً إلى إعادة إدراج مادة الفوسفوجيبس ضمن قائمة المواد الخطرة.
وقال خير الدين دبيّة، عضو حملة "أوقفوا التلوث"، إن "أكثر من 100 شخص أوقفوا فجر السبت على خلفية مشاركتهم في الاحتجاجات السلمية"، مؤكداً أن "الحملة ستواصل تحركاتها حتى تنفيذ القرارات الحكومية السابقة وإنصاف قابس بيئياً وصحياً".
تنديد بالاعتقالات
وفي بيان على مواقع التواصل الاجتماعي، دانت حملة "أوقفوا التلوث" ما وصفته بـ"الإيقافات العشوائية والجائرة" بحق عشرات الشبان المشاركين في التحركات السلمية، معتبرة أن "عودة أساليب القمع القديمة تمثل تراجعاً خطيراً عن مكاسب الثورة"، ومؤكدة تمسكها بـ"حق قابس في بيئة نظيفة وحياة كريمة".
موقف الاتحاد العمالي
وأعلن الاتحاد العام التونسي للشغل في قابس عن إضراب عام شامل يوم الثلاثاء 21 أكتوبر/تشرين الأول، دعماً لمطالب المحتجين. وجاء في بيانه: "دفاعاً عن حقنا في بيئة سليمة وحرصاً على إنجاح هذه المحطة النضالية، ندعو كافة العمال والموظفين في الجهة إلى تنفيذ إضراب حضوري والالتحاق بدار الاتحاد الجهوي للشغل في قابس".
كما شدد الاتحاد على ضرورة ضمان استمرارية الخدمات الأساسية في القطاعات الحيوية خلال الإضراب، حفاظاً على سلامة المواطنين وصحتهم.
تفاعل رئاسي
وفي المقابل، استقبل الرئيس التونسي قيس سعيّد في قصر قرطاج رئيس مجلس النواب إبراهيم بودربالة ورئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم عماد الدربالي، لبحث الوضع البيئي في قابس.
وقالت الرئاسة التونسية إن سعيّد أكد خلال اللقاء "متابعته المستمرة للأحداث"، مشدداً على أن الحلول يجب أن تكون "غير تقليدية"، وأن العمل جارٍ لإيجاد حلول عاجلة مؤقتة إلى حين وضع استراتيجية وطنية شاملة لمعالجة التلوث في كل مناطق الجمهورية.
جذور الأزمة
ويقع المجمع الكيميائي في منطقة شاطئ السلام، على بعد نحو أربع كيلومترات من وسط قابس، ويقطنها قرابة 18 ألف نسمة، ويعود تاريخ إنشاء المجمع إلى عام 1972، حيث يُعنى بمعالجة مادة الفوسفات لإنتاج الأسمدة، لكنه بات منذ سنوات موضع اتهام بكونه المصدر الرئيسي لتلوث الهواء والمياه في الجهة.
وعلى الرغم من تعهد الحكومة التونسية عام 2017 بإغلاق المجمع تدريجياً، فإنها أعلنت في وقت لاحق نيتها رفع طاقته الإنتاجية إلى 14 مليون طن سنوياً بحلول عام 2030، مقارنة بنحو ثلاثة ملايين طن حالياً، ما أثار غضب الأهالي والمنظمات البيئية.
أزمة تنموية أوسع
ويرى سكان الجنوب التونسي أن مناطقهم، رغم غناها بالثروات الطبيعية والمواقع الصناعية الكبرى، تعاني تهميشاً تنموياً وخدمياً واضحاً، ويطالبون الدولة بمشاريع بديلة تراعي البعد البيئي وتوفر فرص عمل حقيقية.
وتأتي هذه التطورات في وقت تمر فيه تونس بأزمة اقتصادية خانقة، تتجلى في ارتفاع نسب البطالة والأسعار وتراجع القدرة الشرائية، بالتوازي مع توتر سياسي متصاعد بين الرئيس سعيّد والمعارضة، التي تتهمه بـ"تقييد الحريات واستهداف المعارضين"، بينما يؤكد هو أن البلاد "مستهدفة وتواجه محاولات لزعزعة استقرارها".