في حربٍ تتعقّد أدواتها وتزداد خطوط تماسها ضيقًا، أعادت روسيا إلى ساحة القتال حيلةً عسكرية قديمة لكن فعّالة: استثمار ظروف الطقس كوسيلة قتالية. بدلاً من الاعتماد الكامل على الردود التكنولوجية المضادة للمسيّرات، بدأت القوات الروسية بتوقيت تحرّكاتها الكبرى خلال موجات الضباب والأمطار الغزيرة، ما يقلّص قدرة الطائرات المسيّرة الأوكرانية على الاستطلاع والإسناد الناري ويمنح الهجوم عنصر المفاجأة.
يُظهر تحليل معهد دراسات الحرب علامات واضحة على أن هجمات القوات الميكانيكية الروسية — من دبابات وناقلات جند ومدفعية — باتت تُجرى بصورة محسوبة خلال سوء الأحوال الجوية. لا يغيّر هذا الأمر من فعالية المسيّرات أو أنظمة الدفاع الإلكترونية، لكنه يعيد للطقس دورًا تكتيكيًا يُصعّب على الطرف المدافع رصد التجمعات وتحويل الضربات بدقة.
تتكامل هذه الممارسة مع استعادة موسكو لمفاهيمها التقليدية في الخداع والتضليل العسكري أو ما تُعرف بـ«ماسكيروفكا» (Maskirovka)، حيث تُخفي التحركات الحقيقية وتُشوِّش على نوايا الخصم. وفي سياق أوسع، تحاول القيادة الروسية إحياء عقيدة «الأسلحة المشتركة» عبر تنسيق المشاة والمدفعية والمدرعات والطيران والمسيرات في هجمات متزامنة تهدف إلى خلق اختراقات محلية حتى لو كانت محدودة.
تأتي أهمية هذا التوافق التكتيكي من واقع صعوبة الهجوم التقليدي على دفاعات أوكرانية محصّنة، خصوصًا في مناطق مثل دونباس. لذلك، لا تُستَخدم القوة الميكانيكية وحدها، بل تُنسّق مع عوامل بيئية وتكتيكية لإحداث تأثير ميداني ملموس وتقليل الخسائر الناتجة عن الاستهداف الجوي.
ختامًا، لم تعد المعركة الآن مجرد مواجهة بين تقنيات متقدمة؛ بل صارت تتحدّد أيضاً بمدى قدرة كل طرف على توظيف عناصر متحكم بها — كالطقس والمفاجأة والتنسيق بين الأسلحة — لصالحه. في هذه الحرب، تقف التكنولوجيا متقابلة مع الصبر والطقس، وكل منهما يحاول أن يحسم معادلة السيطرة على ساحة المعركة.