كشفت مصادر حكومية أمريكية أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب احتفظت بقائمة سرّية تضم 24 منظمة تصنفها "إرهابية"، تزعم أنها في حالة نزاع مسلح مع الولايات المتحدة، ما يفتح الباب أمام تساؤلات قانونية وسياسية حول طبيعة هذه الحرب غير المعلنة.
ووفقًا لتقرير نشره موقع ذا إنترسبت الأمريكي، فإن القائمة تتضمن عصابات إجرامية من أمريكا اللاتينية مثل "ترين دي أراكوا" الفنزويلية، و"جيش التحرير الوطني" الكولومبي، و"كارتل دي لوس سوليس"، بالإضافة إلى فصائل مرتبطة بكارتل سينالوا المكسيكي.
وبحسب التقرير، فإن هذه القائمة السرّية أُرفقت برأي قانوني صادر عن مكتب المستشار القانوني بوزارة العدل الأمريكية، يهدف إلى تبرير الضربات العسكرية الأمريكية ضد مهربي المخدرات في البحر الكاريبي والمحيط الهادئ، في إطار ما تسميه الإدارة "نزاعًا مسلحًا غير دولي".
غير أن القائمة الكاملة لم تُكشف حتى الآن، حتى لأعضاء لجنة القوات المسلحة في الكونغرس، ولا يوجد أي دليل فعلي يثبت أن تلك الجماعات تخوض حربًا فعلية ضد الولايات المتحدة.
"حرب سرّية... بلا تفويض"
المحامي الأمريكي السابق براين فينيوكان، المتخصص في القانون الدولي ومكافحة الإرهاب، علّق على التقرير بالقول إن الإدارة السابقة "أنشأت واقعًا قانونيًا موازيًا" لتبرير عملياتها العسكرية خارج الأطر الدستورية.
وأضاف فينيوكان: "الرئيس، وبمحض قراره، أعلن أن الولايات المتحدة في حرب مع جماعات غير معلنة ودون أي تفويض من الكونغرس. نحن أمام حرب سرّية، غير مصرح بها — بل حرب وهمية، لأن معظم هذه الجماعات لا يمكن اعتبارها طرفًا في نزاع مسلح مع واشنطن أساسًا."
وأشار المحامي إلى أن الجيش الأمريكي نفذ منذ سبتمبر الماضي 17 هجومًا معروفًا استهدفت قوارب في البحر الكاريبي وشرق المحيط الهادئ، وأسفرت عن مقتل أكثر من 70 شخصًا، بينهم ثلاثة مدنيين في أحدث تلك العمليات.
الكونغرس يطالب بالشفافية
أثارت هذه المعلومات جدلاً واسعًا داخل الكونغرس الأمريكي، حيث اتهم مشرعون من الحزبين إدارة ترامب بتجاوز صلاحياتها الدستورية في مسائل الحرب والسلام.
وخلال اجتماع مغلق ضم وزير الخارجية ماركو روبيو ووزير الدفاع بيتر هيغسث مع عدد محدود من المشرعين، فشلت الإدارة في إقناع الحاضرين بمبرراتها القانونية.
وقال النائب الديمقراطي غريغوري ميكس، كبير أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب: "ما زالت إدارة ترامب عاجزة عن تقديم تفسير مقنع لضرباتها غير القانونية في الكاريبي والمحيط الهادئ. من الواضح أنها تسعى لتجاوز سلطة الكونغرس الدستورية في قرارات الحرب."
أما جيم هايمز، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، فاعتبر أن الرأي القانوني الذي اطلع عليه "غير مقنع"، محذرًا من أن استخدامه قد يفتح الباب لتبرير عمليات عسكرية أخرى بالخطورة نفسها.
وأضاف هايمز: "من غير المقبول أن يُسمح لقلة من الأعضاء فقط بفهم تفسير الإدارة للقانون. يجب نشر الرأي القانوني والقائمة الكاملة للمنظمات حتى يتمكن الكونغرس من ممارسة رقابته الدستورية."
وفي المقابل، أسقط الجمهوريون في مجلس الشيوخ مشروع قرار سلطات الحرب الذي تقدم به السناتور الديمقراطي تيم كاين، والذي كان يهدف إلى منع ترامب من شن هجمات ضد فنزويلا دون تفويض.
وقد سقط القرار بفارق ضئيل (49 مؤيدًا مقابل 51 معارضًا)، رغم تحذيرات من أعضاء الحزبين بأن "الحرب غير المعلنة ضد مهربي المخدرات" قد تتطور إلى مواجهات عسكرية مباشرة.
ضحايا من الفقراء والمعدمين
وفي سياق متصل، كشف تحقيق لوكالة أسوشييتد برس أن تسعة من القتلى في تلك الهجمات الأمريكية لم يكونوا زعماء عصابات، بل عمال فقراء من مناطق ساحلية معدمة.
وضمّت قائمة القتلى صيادين وسائقي دراجات نارية وعددًا من العمال البسطاء، في حين وُصف أحدهم فقط بأنه "زعيم محلي صغير"، فيما لم تملك القوات الأمريكية أدلة كافية لاحتجاز أو محاكمة الناجين.
كما أثار التقرير شكوكًا حول وجود كارتل دي لوس سوليس ككيان حقيقي، مشيرًا إلى أنه أقرب إلى شبكة فساد داخل المؤسسة العسكرية الفنزويلية، وليس منظمة إجرامية منظمة بالمعنى التقليدي.
ويشير محللون إلى أن هذا يشبه توصيف إدارة ترامب السابق لحركة "أنتيفا" بأنها "منظمة إرهابية محلية"، رغم أنها لا تمتلك هيكلًا تنظيميًا واضحًا، بل تمثل تيارًا فكريًا احتجاجيًا أكثر من كونها كيانًا فعليًا.
ثغرات قانونية واتهامات بانتهاك القانون الدولي
يرى خبراء القانون الدولي أن تصنيف هذه الجماعات كـ"أطراف في نزاع مسلح" يمكّن الإدارة الأمريكية من تجاوز القيود القانونية على استخدام القوة العسكرية خارج البلاد، بما في ذلك عمليات القتل المستهدف التي تُنفذ عبر الطائرات المسيّرة.
ويحذر هؤلاء من أن مثل هذا النهج قد ينتهك القانون الدولي الإنساني، ويقوّض مبدأ الفصل بين السلطات في النظام الأمريكي.
كما أن وزارة الخارجية الأمريكية، بحسب تقارير رسمية، لم تذكر اسم "كارتل دي لوس سوليس" في تقريرها السنوي المؤلف من 670 صفحة حول جهود مكافحة المخدرات، ما يعزز الشكوك حول مصداقية القائمة السرّية التي تتذرع بها الإدارة.
حرب بلا إعلان
تكشف التسريبات أن إدارة ترامب أنشأت إطارًا سريًا للحرب دون موافقة الكونغرس، مستندة إلى تعريفات غامضة لـ"المنظمات الإرهابية" و"النزاع المسلح".
وبينما تبرر الإدارة الأمريكية ذلك بأنه دفاع استباقي ضد الجريمة المنظمة، يرى منتقدوها أنها مجرد ذريعة لتوسيع صلاحيات الرئيس في استخدام القوة خارج الحدود.
وبينما تواصل البنتاغون تنفيذ هذه العمليات دون تفويض جديد، يحذر محللون من أن "الحرب السرّية ضد مهربي المخدرات" قد تتحول إلى سابقة خطيرة تشرعن العمل العسكري الأمريكي ضد جهات لا تخوض أصلًا حربًا مع واشنطن، ما يهدد بتقويض النظام القانوني الدولي بأسره.