في خطوة وُصفت بأنها من أكثر القرارات حساسية في السياسة الأمريكية تجاه الإسلام السياسي، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً يوجّه وزارة الخارجية والخزانة لبدء عملية تصنيف "فروع محددة" لجماعة الإخوان المسلمين كمنظمات إرهابية أجنبية، مع منح فترة مراجعة تمتد لـ45 يوماً لتقديم توصيات بشأن توسيع نطاق التصنيف.
القرار لم يأتِ في فراغ، بل استند وفق نص الأمر التنفيذي إلى معايير تتعلق بدعم أعمال العنف، والارتباط بجماعات مُصنّفة على لوائح الإرهاب الأمريكية، وعلى رأسها حركة حماس، إضافة إلى اعتبار دعمها تهديداً مباشراً لأمن الولايات المتحدة أو أمن حلفائها.
هذا التحرك أعاد النقاش الدولي حول علاقة واشنطن بالإسلام السياسي، وحول الكيفية التي قد يعاد فيها رسم خريطة حضور الإخوان سياسياً وتنظيمياً ومالياً في الشرق الأوسط وأوروبا، كما أثار تساؤلات عن حجم الانعكاسات الدبلوماسية على الدول المعنية بالعلاقة مع واشنطن، وخاصة تلك التي تحتضن تيارات قريبة من الإخوان أو تنشط فيها شبكات مرتبطة بالتنظيم.
معايير القرار… ودلالتها على طريقة تفكير الإدارة الأمريكية
بحسب ما ورد في الأمر التنفيذي، فقد اعتمد القرار على ثلاثة عناصر رئيسية: الدعم المالي أو اللوجستي لحركات مصنّفة إرهابية، والارتباط التنظيمي أو العملياتي بجماعات مسلّحة، وأي نشاط يُعدّ تهديداً لأمن الولايات المتحدة أو حلفائها.
الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية والجهادية مصطفى أمين يوضح هذه النقطة، في حديث مع "ستيب نيو" بقوله: “القرار كان واضحاً في تحديد المعايير المتعلقة بالتورط في العنف، وحدّد ثلاثة فروع: مصر، الأردن ولبنان… باعتبار أن عناصر من هذه الفروع قدّموا دعماً مالياً أو لوجستياً لحركة حماس أو ارتبطوا بفصائل مسلّحة.”
ولم يكن اختيار الفروع الثلاثة عشوائياً، بل مرتبطاً مباشرة بملفات سبق أن تناولتها الوكالات الأمريكية في سياق مكافحة تمويل الإرهاب، والقرار، وفق هذا المنطق، يربط بين دعم أي كيان لحماس وبين اعتباره شريكاً في نشاط إرهابي.
من جهته، يؤكد الباحث منير أديب لـ"ستيب نيوز" السياق ذاته قائلاً: “الإخوان مارسوا العنف في الدول الثلاث المذكورة، وثبت لدى الحكومات المصرية والأردنية واللبنانية أنهم هددوا الأمن واستقرار البلاد. والولايات المتحدة رأت أن دعم جماعات مسلحة أو التحالف معها يشكّل تهديداً لأمنها وأمن حلفائها.”
ويبدو أن الإدارة الأمريكية اعتمدت معياراً عملياً، أي دعم لحماس يعد دعماً لمنظمة إرهابية، وبالتالي، أي كيان يقدم هذا الدعم يُعد مؤهلاً للتصنيف.
الدوافع السياسية… ورؤية ترامب الخاصة
قرار بهذا الحجم لا يمكن فصله عن شخصية الرئيس ترامب ونهجه السياسي، فقد أشار الأمر التنفيذي ضمناً إلى مقاربة تختلف عن الإدارات السابقة.
وهذا ما يشرحه مصطفى أمين ضمن "ثلاثية" يربط عليها القرار: “الضلع الأول هو قراءة شخصية للرئيس ترامب وقدرته على اتخاذ قرارات أحادية… الضلع الثاني علاقته مع الإمارات والسعودية ومصر… والضلع الثالث مواجهة الديمقراطيين الذين تبنّوا رؤية مغايرة للإخوان بعد 2011.”
هذه الثلاثية تمنح القرار بُعداً سياسياً داخلياً ودولياً، يشرحها الخبير: "داخلياً: مواجهة إرث الديمقراطيين الذين فتحوا خطوط تواصل مع الإسلاميين بعد الربيع العربي، وخارجياً: الانسجام مع محور إقليمي مضاد للإخوان، تقوده الإمارات والسعودية ومصر".
أما منير أديب فيقدّم تفسيراً عملياً ويضيف: “الولايات المتحدة لم تقدِم سابقاً على وضع الإخوان على قوائم الإرهاب إلا عندما أصبح التهديد مباشراً لأمنها أو لأمن حلفائها.”
وتعكس هذه الرؤية انتقال القرار الأمريكي من منطق "التحفظ" إلى منطق "الحسم"، في سياق يرى فيه ترامب أن الإخوان يمثلون بصورة أو بأخرى مصدراً لعدم الاستقرار في الإقليم.

تداعيات القرار على العلاقات الإقليمية والدولية
على الرغم من أن القرار يطول فروعاً في ثلاث دول، إلا أن الأنظار توجهت فوراً إلى تركيا وقطر لكونهما أبرز ملاذين لقيادات الإخوان.
مصطفى أمين يستبعد الصدام المباشر، ويقول: “لا أعتقد أن هناك توتراً بين ترامب وتركيا أو قطر… بل ربما يكون هناك تنسيق وضغط. المسألة في قطر تتعلق بأفراد لا تنظيم كامل.”
أما منير أديب فيرى الصورة من زاوية أكثر صرامة: “تركيا وقطر دولتان حليفتان، وربما ستتخذان المنحى ذاته وترفعان أيديهما عن الإخوان، لأن الأمر يتعلق بالأمن القومي الأمريكي… لا يمكن لأي دولة أن تقف أمام الإرادة الأمريكية في هذا الأمر.”
ما بين الرؤيتين، يبدو واضحاً أن القرار يضع أنقرة والدوحة أمام خيارات سياسية دقيقة، دون أن يعني ذلك مواجهة مفتوحة.
ويشير مصطفى أمين إلى أن القرار الأمريكي قد يفرض ضغوطاً على دول أوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا ويقول: “قد تجد نفسها مضطرة إلى اتخاذ خطوات قريبة من قرار الحظر بسبب الترابط المالي العالمي.”
هذا السيناريو سيكون له تبعات كبيرة على وجود الإخوان في أوروبا، حيث تمتلك الجماعة مؤسسات إعلامية وحقوقية وإغاثية مؤثرة.
ماذا بعد الـ45 يوماً؟
ينص القرار على منح الخارجية والخزانة 45 يوماً لدراسة ملفات فروع أخرى.
مصطفى أمين يرى أن الباب مفتوح لتوسعات جديدة: “من المتوقع تصنيف جماعات أخرى كالإخوان في السودان وتونس وربما اليمن… لكن على الأرجح لن يُصنّف إخوان المغرب أو الجزائر.”
من جهته، يرى منير أديب أن القرار وضع أولاً الأساس في الدول الثلاث قبل الانتقال التدريجي إلى فروع أخرى بحسب مستوى التهديد ويضيف: “الهدف هو مصادرة الأموال وقطع خطوط الإمداد والتمويل… وهذا يُشكل فرصة للقضاء على التنظيم بصورة كاملة.”

أثر القرار على التنظيم
على الرغم من حجم الضغوط، يتفق الخبيران على أن التنظيم لن يعلن الهزيمة.
يقول مصطفى أمين: “التنظيم لن يحل نفسه مطلقاً، هو يرى نفسه يعيش في فقه المحنة، وسيبحث عن طرق للتماهي مع الواقع الجديد.”
ويعمّق منير أديب الفكرة من زاوية عملياتية: “الإخوان سيتلونون وينسحبون مؤقتاً للعودة من جديد… لن يتحلل التنظيم بل سيعيش في حالة ثبات وتخفٍ.”
هذه القدرة على التكيّف ليست جديدة في أدبيات الجماعة، لكنها ستُختبر اليوم أمام ضغوط مالية وأمنية ربما تكون الأكبر منذ تأسيسها عام 1928.
قرار يعيد رسم الخريطة… لكنه لا ينهي التنظيم
يمثل الأمر التنفيذي الأمريكي تحوّلاً كبيراً في مقاربة واشنطن للإخوان، خصوصاً مع ربط القرار بين التنظيم وبين دعم حركة حماس، واعتبار هذا الدعم معياراً كافياً للتصنيف الإرهابي، والدوافع السياسية تتداخل مع الحسابات الأمنية، وتداعيات القرار لا تتوقف عند حدود الدول الثلاث المصنّفة، بل تمتد إلى تركيا وقطر وأوروبا وشبكات الإخوان العالمية.
ومع أن القرار سيحد بشكل واضح من قدرة التنظيم على التمويل والتحرك والسفر، إلا أن تجربته التاريخية تُظهر أنه يجيد التكيف والالتفاف والظهور بأشكال جديدة.
لكن هذه المرة، تبدو المواجهة أعمق وأوسع، وربما تحدد مسار حضور الإخوان لعقود قادمة.