حورات خاصة

الجنس أكثر التابوهات حرمةً بالمجتمعات الشرقية.. كيف نبني جسور الثقة بيننا وبين أطفالنا لنحميهم من التحرّش؟

يعدّ التطرق إلى موضوع الجنس من أكثر التابوهات حرمةً في المجتمعات العربية والشرقية عموماً والتي تنقسم حولها الآراء بشدّة بين مؤيدٍ لرفع “الحظر” عنها واللجوء إلى “المصارحة”، وبين معارضٍ يرى في التطرّق إليها مع صغار السن منفذاً لفسادٍ أخلاقي يوسّع الهوّة بين المشكلة والحل بدل أن يردمها، إلا أنّ تطور الوعي تجاه أهمية كسر الحواجز بين الأهل والأطفال بات عاملاً محدداً بالدرجة الأولى في حماية الأطفال من التحرّش بكافة أنواعه (اللفظي والجسدي)، فعندما تتواجد فسحةٌ بين الطرفين للحديث عمّا بات يعرف بـ “التربية الجنسية” فإنّ الأهل بذلك يغلقون الباب على الأشخاص ذوي النوايا السيئة من أن يبتزوا صغارهم أو يسببوا لهم الأذى.

ولتسليط الضوء بشكلٍ علميٍّ وموضوعي، حاورت وكالة “ستيب” الإخبارية، كلّاً من الاخصائية الاجتماعية والمدرّبة الأسرية، أ. هناء غضبان، والكاتبة والباحثة الاجتماعية، أ. كبرياء الساعور، للإجابة على أكثر التساؤلات التي تثير اهتمام الأهالي وأفضل الطرق المُوصى بها لإيصال المعلومات إلى الأطفال على اختلاف مراحلهم العمرية وكيفية بناء الثقة بين الطرفين لتوفير حمايةٍ أكبر للأطفال حيال تعرّضهم لحوادث مؤلمة أو التحرّش الجنسي.

الفرق بين الثقافة الجنسية والتربية الجنسية للأطفال

وتوضّح الاخصائية الاجتماعية والمدرّبة الأسرية، أ. هناء غضبان، أنّه آن الأوان للفصل بين العلم والثقافة الموروثة مشيرةً إلى أنّه كثيراً ما يطرق أسماعنا مصطلحا “الثقافة الجنسية” و”التربية الجنسية” .. فما الفرق بين المصطلحين؟!

1_ الثقافة: هي المعلومات التي يحصل عليها الأهل حول المواضيع الجنسية ومعرفتها وتعلمها.

2_ أما التربية: فهي الممارسات العمليّة وتطبيق هذه المعلومات وتعليمها للأبناء من قبل الوالدين.

وتقول “هناء” إنّ: “كلا الجانبين (الثقافة والتربية) مهم للأهل فعليهم أن يتثقفوا ويتعلموا حتى يستطيعوا تعليم أبنائهم لتوعيتهم وتربيتهم تربيةً جنسيةً آمنة وتحصينهم من الوقوع في الخطر وحمايتهم من المعلومات المشوّهة والأجواء غير الأخلاقية”.

المشاكل التي تواجه الأهل مع أطفالهم

وحول المشاكل التي تواجه الأهل والأمهات بشكلٍ خاص وهم يتطرّقون للمواضيع الجنسية مع أطفالهم، تشير “هناء” إلى أنّ: “الجهل بالمعلومات التي سيقدمونها لأبنائهم وعدم معرفة ما سيقولونه لهم، وأيضاً اعتقادهم بأنّ الابن سيحاول الحصول على المعلومات بنفسه أو من المدرسة أو من المعلّم مما لا يستدعي (من وجهة نظرهم) أن يقرأوا أو يتثقّفوا لاعتمادهم على الآخرين في حصول طفلهم على المعلومات”.

وتضيف الاخصائية الاجتماعية: ” يجب على الأهل ان يتعلّموا ويعرفوا كيف يقدّمون المعلومات في جوٍ من الأمان والثقة”، مشددةً على أنّه: “ليس من المهم وصول المعلومة، لكنّ المهم كيف نقدّم المعلومة ضمن جوٍ من الحب والتقبّل والدفء مع التأكيد على وجود القيم والضوابط الشرعية”.

وتتابع: “وحتى يستطيع الأهل تنشئة الأبناء على التربية الجنسية الآمنة لا بدّ من المتابعة المستمرة لهم من ولادتهم إلى مرحلة البلوغ وحتى الكبر واعطائهم المعلومات حسب المرحلة العمرية لهم، فالتربية الجنسية تبدأ من الصغر من عمر السنتين حتى البلوغ. كما تُعطى التربية الجنسية على مراحلٍ ودفعاتٍ وليس دفعةً واحدة”.

لم يفت الأوان بعد .. لا “مستحيل”

وتشير إلى أنّ “الكثير من الأهل يعتقدون بأنهم إذا لم يبدؤوا مع أبنائهم منذ الصغر فقد فاتهم الأوان ..وهذا ليس صحيحاً.. هو صعب لكن ليس مستحيلاً ..ويتطلب من الأهل التواصل مع أبنائهم وبناء علاقة حب وثقة حتى يستطيعوا الحديث معهم بهذه المواضيع”.

وتضيف أنّه من المهم: “الاقتراب من الأبناء وبناء جسر من المحبة بمدحهم، والاهتمام باهتماماتهم وما يحبون، كما يجب مشاركتهم بالحديث عن ماضي الأم والأب عندما كانوا بأعمارهم وهذا يقوي العلاقة بين الطرفين، أما المواجهة والاستجواب والإحراج هو ما ينفّر الابن من الحديث مع الوالدين”.

لذا ترى “هناء” أنّ السؤال المهم هو “كيف أبدأ الحديث مع ابني؟!” .. والتي تجيب عليه بأنّه: “على الأهل استغلال كلّ فرصة سانحة ليحدّثوا ويعلّموا أولادهم معلومةً جنسية كولادةٍ قريبة لهم او مناسبة زواج أو تزاوج حيوانين وحتى عند زراعة بذرة في وعاء، إلى غيرها من الفرص اليومية بالحياة، فعليهم الأهل أن يستعدّوا دوماً للإجابة عن أسئلة أبنائهم بمعلوماتٍ صحيحة”.

هل “الثقافة الجنسيّة” ضدّ براءة الأطفال؟

وفي الوقت الذي يروّج فيه البعض إلى أنّ “الثقافة الجنسيّة” ضدّ براءة الأطفال تعلّق الاخصائية الاجتماعية قائلةً: “إنها فكرة مغلوطة فأن نربّي أولادنا من “الناحية الجنسية” فهذا لا يعني حديثاً خادشاً عن العلاقات الجنسيّة أو الأفكار المشوّهة، بل هي تربية قيم وأخلاق، تربية على آداب الاستئذان وستر العورة، وتعميق أفكار تعمد على العفّة منذ الطفولة”، مشددةً على أهمية أن: “يدرك الأهل العمق الحقيقي للتربية الجنسيّة وألّا يغضّوا الطرف عن حقيقتها بالهروب من المسؤولية تجاه أولادهم بهذا الجانب”.

التعامل مع موضوع الجنس من زاوية “العيب”

أمّا في حال تمّ التعامل مع الموضوع من زاوية “العيب والتكتّم”، فتؤكد “هناء” أنّ ذلك لن يسقط المسؤولية عن كاهل العائلة لأنّه في حال تلقّى الأطفال المعلومة من طرفٍ خارجيٍّ كمعلمٍ أو مربّي فإنّها لن تكون “كافية”، أما عندما يكون مصدرها الأهل تكون ضمن إطارٍ أسريٍّ دافئ خاصّةً وأنّهم يستطيعون متابعة أولادهم بعد حديثهم عن المعلومات الخاصّة هذه، لأنّ الطفل عندما يتلقّى المعلومة من الخارج لا تكون مؤطّرةً بقيمٍ وضوابط كما يقدّمها المحيط العائلي”.

متى يجب اللجوء إلى الاخصائي الاجتماعي أو النفسي؟

وفيما يتعلّق بتدخل الاخصائي النفسي والاجتماعي، ترى “هناء” أنّ “الأهل هم من يدركون ويقرّرون متى يتدخّل الأخصائي، فهناك عدّة حالات يلجأ الأهل فيها إليه، منها في حال لاحظ الأهل سلوكياتٍ غير سليمة، مثل لعب الطفل بأعضائه الخاصّة أو القيام بحركات جنسية أو في حال ظهر عليه سلوكيات غير مريحة كالخوف والانعزال والتوتر، فجميعها قد تدّل على تعرّض الطفل للتحرّش أو ربما مشاهدة صور سيئة، كما يمكن أن تكون من العلامات أيضاً لجوئه للجلوس فتراتٍ طويلة لوحده أو جلوسه لفتراتٍ طويلة على الهاتف، أو التأخر في مستواه الدراسي”.

أمّا عن الطرق المُثلى لحماية الابن من “التحرّش الجنسي” فتكون بتوعيته وتعليمه أنّ هناك مناطق خاصة لا يجب أن يراها أو يلمسها أحد من الناس مهما كانت صفته، وهي: “الفم والصدر والقبل والدبر”، وإذا طلب أحدٌ منه ذلك فعليه أن يرفض ويخبر الأهل أو يصرخ بصوتٍ عالٍ، كما يمكن تعليمه عن طريق مشاهدة مقطع مصوّر أو قصة تُحكى له، ودائماً على الأم أن تتابع طفلها وتحاوره عن يوميه وخاصةً بعد دخوله المدرسة، وأن تسأله بحب كيف كان يومك؟ أو أحكِ لي عن شيءٍ جميل حدث معك وهكذا..”.

هل إدراج التربية الجنسية بالمناهج “رفاهية” أم ضرورة

وفي هذ السياق، توضّح، أ. هناء، أنّه كلما زاد الوعي والفهم والعلم قلّت المشاكل والأمراض وهذا الأمر سيّان في منحى “التربية الجنسيّة” وسواها، لافتةً إلى أنّ الدول الغربية التي تدرّس هذه التربية تدرسها بمفاهيم مغلوطة ومن ضوابط، وتدعو لممارسة الجنس في سنٍّ مبكرة، أمّا “التربية الجنسية” التي تعتمد على القيم والضوابط الأخلاقية والشرعيّة تحمي الأطفال في المجتمعات العربية والإسلامية وتصونهم من الوقوع في الخطأ والرذيلة”.

وترى أنّه وفي ظلّ الانفتاح التكنولوجي ووجود الهواتف الذكية بيد أطفالنا، أصبح الجنس متاحاً لهم على مدار الـ ٢٤ ساعة وبكلّ سهولة، في وقتٍ لا يزال كثيرون ينكرون هذا الواقع ويهربون منه، مشيرةً إلى أنّ الأطفال يتعرضون لمشاهد إباحيّة مؤذية ولعلاقاتٍ خاطئة، فيما لا يزال البعض في طور “التفكير” هل يجب إدراج “التربية الجنسية” بالمناهج أم لم يحن الوقت بعد؟!، مؤكدةً على أنّ “التربية الجنسية” الصحيحة ضرورةٌ ملحّة وحاجة أساسية وليست رفاهيّة”.

أهميّة التربية الجنسية للأطفال والهدف منها

تؤكد الكاتبة والباحثة الاجتماعية، أ. كبرياء الساعور، على أنّ هناك فرقاً بين “الثقافة الجنسية” و”التربية الجنسية”، فالأولى تتصل بالمعلومات والمعارف ومدى عمقها والتي يمكن أن تتضمن جميع المعلومات التي من الممكن أن يحصل عليها الأطفال من مختلف المصادر والمواد مثل مادة “العلوم الطبيعية” والتي تتضمن شرحاً لعمليات التكاثر وتشريح الجهاز التناسلي، أما الثانية فهي تهدف بالأساس إلى تكوين ممارسات وسلوكيات صحيّة حول الجنس”.

أمّا عن أهمية “التربية الجنسية” للأطفال، فتعتقد “الساعور” أنّها لا تقلُّ أهمية عن مختلف أشكال التربية التي يقدّمها الأهل والمدرسة للأطفال، لأنّها تهدف بالأساس إلى تربية القيم القائمة على بناء التفكير والرأي الحر عند الأطفال وبناء القدرة لديهم على الحوار الإيجابي، فهي ترى أنّها ضرورية لتهذيب سلوك الأطفال، على العكس تماماً مما يتبادر إلى أذهان البعض عند الحديث عن “التربية الجنسية” بأنها تعني إعطاء معلومات لا تتناسب مع عمر الأطفال وإدراكهم، إذ إنّ الهدف منها هو حماية أطفالنا وتحصينهن”.

وتضيف: “نحن نعتقد أنّ بيئتنا التي نعيش فيها آمنة وبيوتنا آمنة لكن بعض الأطفال يتعرّضون للتحرّش والاعتداء من قبل أناس قريبين لنا جدّاً وقد وهبناهم الثقة، مشددةً على أنّ هذا النّوع من التربية يجب أن يبدأ منذ الطفولة المبكّرة (قبل عمر الـ 3 سنوات) مع البدء بتعليم الأطفال المسميّات والمعلومات المحيطة بنا، إذ تبدأ بتعليمه مسميّات أعضاء جسده ومعلومات عنه وذلك حتّى يتعلّم الطفل كيفية التعامل مع جسده واحترامه وهذا يحميه من السلوكيات المرفوضة التي من الممكن أن يتعرّض لها، إذ يبدأ الأهل بتنبيهه أنّه ممنوع على الآخرين الاقتراب منه أو لمسه”.

وللتوضيح تضرب الباحثة الاجتماعية مثلاً يتجسّد في “وقت الاستحمام” الذي ينبغي على الأهل التركيز فيه على أنّ هناك مناطق من جسده لا يجوز لأحد أن يراها على الإطلاق فيما عدا بعض الحالات مثل الأم أو في حالات الكشف عند الطبيب”، وتؤكد على أنّ بعض الأهل قد يلاقون بعض الصعوبات أو يحسّون بالحرج بسبب الحديث في هذا الموضوع.

إلا أنّها تشدد على أنّنا اليوم نعيش في “عصر المعلومات” والثورة الرقميّة مما سهّل على الأطفال وصولهم إلى المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت والتي تعود لمصادر متنوّعة وهائلة، لذلك من المهمّ من وجهة نظرها أن يكون هناك وعي لدى الأهل لأهمية التربية الجنسية منذ الطفولة الباكرة، وتنصح بإعطائهم معلوماتٍ مبسّطة تناسب أعمار أطفالهم ونضجهم فلكل مرحلة عمريّة أسلوب خاص بطريقة الحديث وإيصال المعلومة الذي يجب أن يكون مبني على الحوار وبناء الثقة بين الأهل والأطفال وبالتالي الطفل في حال تعرّض إلى أي حادثة أو انتهاك لخصوصيته سيستطيع أن يلجأ لذويه وأن يعبّر عنه”.

المخاوف التي تنتاب الأهالي والنصائح المقدّمة

أما فيما يتعلّق ببعض المخاوف التي تنتاب الأهالي من أن تتسبب هذه التربية بخلق بعض التوجّهات لدى أطفالهم لمعرفة معلومات لا تتناسب وأعمارهم أو تكون أكثر مما هو لازم، فتؤكد، أ. كبرياء، على أنّ الكثير من الأبحاث والدراسات والتي أشرفت على كثير منها منظمة “اليونيسيف” تؤكد على أنّ التربية الجنسية والتثقيف الجنسي بشكل مبكّر للأطفال، من الممكن أن يحميهم أو يؤخّر حتّى ظهور سلوكيات جنسية لدى الأطفال”.

أمّا عن النصيحة التي قدّمتها للأهل حيال الوقت الذي يتوجّب عليهم فيه اللجوء إلى الاختصاصي لتقديم المساعدة، فتقول: “إنّ اللجوء إليه يكون في حال لاحظ الأهل ظهور سلوكيات غير طبيعيّة عند الأطفال ولا أقصد بذلك استكشاف الأطفال لأجسادهم والتعرّف عليها وهو أمر مماثل لعملية استكشافهم الوسط المحيط بهم، فبعض السلوكيّات تلفت الانتباه والتي قد تتجسّد بسلوكيات أو خوضه في معلومات جنسيّة لا تسبق عمره مما قد يكون مؤشراً على أنّ هذا الطفل قد تعرّض إمّا لمحتوى “لا أخلاقي” أو أنّه قد تعرّض للتحرّش”.

وعلى الرغم مما سبق، تشير أ. كبرياء إلى أنّه في بعض الحالات قد تغيب هذه السلوكيات لدى بعض الأطفال بسبب الخوف من العقاب، مستشهدةً بإحدى الأمهات التي لجأت لها، واستعرضت رسومات لطفلها الصغير جسّد من خلالها الأعضاء التناسليّة لعائلته، وبعد التدقيق والبحث تبيّن أنّ الطفل كان يتعرّض للتحرّش من طفل أكبر منه سرّاً، وهي واقعة تؤكد على أهمية التربية الجنسيّة المدروسة بحسب المرحلة العمريّة وبحسب المستوى العمري لدى الأطفال”.

وتختم حديثها، بالإشارة إلى أنّ “الجنس” لربّما لا زال أحد التابوهات في مجتمعاتنا التي تحرص على تجنّب الحديث عنه، حتّى أنّ كثيراً من الأهالي يقعون في مغالطة كبيرة تتمثّل بتسميتهم للأعضاء التناسلية بأسماء مزيّفة وهو أمر خطير من وجهة نظرها كونها أعضاء كباقي أعضاء الجسد، وتدعو الأهل للهدوء بالتعامل مع هذه المسائل وعدم الشعور بالحرج حتّى يكبر أطفالهم بطريقة سويّة ومتوازنة”.

حاورت الضيفتين: سلام سلطان 

الجنس أكثر التابوهات حرمةً بالمجتمعات الشرقية.. كيف نبني جسور الثقة بيننا وبين أطفالنا لنحميهم من التحرّش؟
الجنس أكثر التابوهات حرمةً بالمجتمعات الشرقية.. كيف نبني جسور الثقة بيننا وبين أطفالنا لنحميهم من التحرّش؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى