بيتكوين: 117,055.72 الدولار/ليرة تركية: 41.33 الدولار/ليرة سورية: 13,058.76 الدولار/دينار جزائري: 129.28 الدولار/جنيه مصري: 48.13 الدولار/ريال سعودي: 3.75
قصص الأخبار
سوريا
سوريا
مصر
مصر
ليبيا
ليبيا
لبنان
لبنان
المغرب
المغرب
الكويت
الكويت
العراق
العراق
السودان
السودان
الاردن
الاردن
السعودية
السعودية
الامارات
الامارات
فلسطين
فلسطين
حوارات خاصة

اتفاقية الدفاع المشترك الاستراتيجي بين السعودية وباكستان.. هل أصبحت الرياض تملك مظلة ردع نووي؟

اتفاقية الدفاع المشترك الاستراتيجي بين السعودية وباكستان.. هل أصبحت الرياض تملك مظلة ردع نووي؟

في خطوة وُصفت بأنها تحوّل استراتيجي في معادلة الأمن الإقليمي، وقّعت المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية أمس الأربعاء، "اتفاقية الدفاع المشترك الاستراتيجي"، والاتفاق يقضي بأن أي اعتداء على أحد الطرفين يُعد اعتداءً على الآخر، وهو ما اعتبره مراقبون بمثابة إعلان ولادة محور أمني إسلامي قادر على فرض معادلة جديدة للردع قد تشمل الردع النووي، وجاء التوقيع وسط بيئة إقليمية متوترة، بعد ضربات إسرائيل على الدوحة مؤخراً، وفتحت الباب أمام تساؤلات حول انعكاساتها على ميزان القوى، واحتمالية تشكّل تحالف عسكري جديد بالمنطقة.

شراكة راسخة منذ عقود

لم يأتِ الاتفاق الأخير من فراغ، بل تتويجًا لمسار طويل من التعاون بين الرياض وإسلام آباد. 

فمنذ سبعينيات القرن الماضي، ارتبط البلدان بشراكات عسكرية وأمنية، حيث لعبت السعودية دورًا مهمًا في دعم باكستان خلال أزماتها الاقتصادية والسياسية، بينما أرسلت إسلام آباد مستشارين عسكريين وخبراء لتدريب القوات المسلحة السعودية. 

وفي مراحل لاحقة، تولت القوات الباكستانية أدوارًا في حماية منشآت حيوية داخل المملكة، كما تطورت مجالات التعاون في التسليح والتدريب والمناورات المشتركة. 

وعلى الرغم من عدم وجود حدود جغرافية مشتركة، ظل الرابط الديني والسياسي بمثابة الأرضية الصلبة لهذه الشراكة التي انتقلت الآن من التنسيق إلى التزام دفاعي مُلزِم سياسيًا وقانونيًا.

اتفاقية الدفاع المشترك الاستراتيجي.. تحالف يتجاوز الجغرافيا

جاء توقيع الاتفاقية في لحظة تبحث فيها السعودية عن تنويع شراكاتها الدفاعية، فيما تسعى باكستان إلى تعزيز مكانتها الدولية والتخفيف من وطأة أزماتها الداخلية. 

في هذا السياق، يرى الدكتور محمد صالح الحربي، الباحث السعودي في الدراسات الاستراتيجية والعلوم السياسية والعسكرية، خلال حديث لوكالة ستيب نيوز أن التحالف "لا يقوم على القرب الجغرافي، بل على تقاطع المصالح الاستراتيجية، والوعي المشترك بأن الأمن الإقليمي لم يعد يُدار بمنطق الدولة المنفردة". 

ويضيف أن "السعودية، بثقلها السياسي والاقتصادي، وباكستان، بقوتها العسكرية ونفوذها النووي، يشكلان معًا محورًا إسلاميًا قادرًا على إعادة تشكيل معادلة الردع في جنوب آسيا والشرق الأوسط"، وبهذا المعنى، يتجاوز التحالف فكرة التعاون التقليدي ليصبح ركيزة في بناء محور ردع إسلامي أوسع.

بنية الاتفاقية: ردع متعدد المستويات

الاتفاقية الجديدة صُممت وفق رؤية متعددة المستويات تتجاوز الأنماط التقليدية للدفاع، فهي تتضمن تعاونًا في العمليات البرية والبحرية والجوية، وتبادل الخبرات في مجال الدفاع الصاروخي والحرب الإلكترونية، إلى جانب تنظيم مناورات عسكرية مشتركة تعكس الجاهزية الميدانية. 

وتعد باكستان دولة نووية، والاتفاقية تركت احتمالية استخدام "جميع الوسائل العسكرية" مفتوحة، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت المظلة النووية الباكستانية قد تُمدّ لتشمل السعودية في حالات معينة.

ويشير الحربي إلى أن الاتفاق "يفتح المجال أمام تغطية السعودية بمظلة الردع النووي الباكستاني، وهو تطور استراتيجي غير مسبوق في العلاقات الإسلامية–الإسلامية"، في إشارة إلى أن غياب التصريحات العلنية لا يمنع إدراك مغزى الرسائل الردعية الكامنة فيه. 

وإلى جانب ذلك، يتيح الاتفاق آفاقًا لتكامل استخباراتي وأمني في مواجهة التهديدات السيبرانية، خصوصًا تلك التي تستهدف البنى التحتية الحيوية في كلا البلدين. 

وهذا المزج بين الردع التقليدي وغير التقليدي والسيبراني يعكس إدراكًا لطبيعة الصراعات الحديثة، حيث لم يعد التهديد العسكري وحده هو المحرك الأساسي للأمن القومي.

من التنسيق إلى التكامل

ما يميز الاتفاقية الأخيرة عن كل ما سبقها من تفاهمات ثنائية هو انتقالها من مرحلة التنسيق العسكري إلى مرحلة التكامل الدفاعي الفعلي. 

ويوضح الحربي أن "ما يميز هذه الاتفاقية عن سابقاتها هو انتقالها من التنسيق العسكري إلى التكامل الدفاعي، عبر إنشاء غرف عمليات مشتركة، وتطوير منظومات قيادة وسيطرة موحدة، وتوحيد قواعد الاشتباك، واعتماد آليات استجابة سريعة تشمل القوات الخاصة والطيران التكتيكي". 

وبالتالي يصبح الاتفاق إطارًا للردع الاستباقي وليس فقط أداة لرد الفعل، إذ يهدف إلى منع التهديدات قبل وقوعها من خلال جاهزية مشتركة وسريعة.

رسائل إقليمية ودولية

الاتفاقية حملت دلالات متعددة تتجاوز الإطار الثنائي، فداخليًا، بعثت برسالة إلى الرأي العام في السعودية وباكستان مفادها أن أمن البلدين لم يعد يُدار بردود الفعل، بل بمنطق التحصين الاستباقي. 

وإقليميًا، شكّلت إنذارًا للخصوم المحتملين، سواء في إيران أو إسرائيل أو غيرهما، بأن أي محاولة لزعزعة الاستقرار ستواجه برد جماعي يعيد حسابات التوازنات القائمة. 

لمن كان هناك ثغرة تحتاج لفهم التوازن الإقليمي ووضع محددات، حيث أن باكستان تمتلك عداء تاريخي مع الهند، وسيكون من المهم أن تراعي السعودية – في ممارستها لاحقًا لهذه الاتفاقية – علاقاتها المتنامية مع الهند، ورغم ذلك هناك تأكيد من الجانب السعودي بأنه لا يقصد بهذه الاتفاقية إضعاف علاقتها مع الهند.

أما دوليًا، فقد عكست الاتفاقية توجهًا سعوديًا وباكستانيًا لبناء شراكات مستقلة عن الضمانات الأمنية الغربية التي طالما وُصفت بأنها قد تتأخر أو تتراجع بحسب المصالح. 

وفي هذا السياق، يقول الحربي إن "العالم الإسلامي قادر على بناء تحالفاته الدفاعية المستقلة، دون انتظار ضمانات خارجية قد تتأخر أو تتراجع"، وهذا البعد الرمزي والسياسي يجعل الاتفاقية بمثابة إعلان عن ولادة عقلية أمنية جديدة في العالم الإسلامي، وفق الحربي.

نحو منظومة أمنية إسلامية؟

من أبرز التساؤلات التي رافقت توقيع الاتفاقية هو ما إذا كانت مقدمة لتحالف دفاعي إسلامي أوسع يضم دولًا مثل تركيا ومصر وإندونيسيا، وهي قوى إسلامية تمتلك ثقلًا ديموغرافيًا واقتصاديًا وعسكريًا. 

الحربي يرى أن "الاتفاقية قد تكون نواة لتحالف دفاعي إسلامي أوسع، خاصة في ظل التحديات المشتركة التي تواجه هذه الدول من الإرهاب والتدخلات الخارجية والتهديدات السيبرانية". 

ولو تحقق هذا السيناريو، فسيكون بمثابة تحوّل في المشهد الدولي، حيث تنتقل دول العالم الإسلامي من موقع المتلقي للضمانات إلى موقع صانع منظومة أمنية قادرة على التفاعل مع التحديات وفق مصالحها الذاتية.

ومع توقيع اتفاقية الدفاع الاستراتيجي، انتقلت العلاقة السعودية–الباكستانية إلى مستوى جديد يتجاوز التعاون التقليدي نحو التزام دفاعي مشترك، فالاتفاقية لا تقتصر على تعزيز قدرات البلدين، بل تحمل أبعادًا سياسية ورمزية تؤكد أن العالم الإسلامي بدأ يتحدث بلغة التحالفات الأمنية المستقلة، وبينما يراها البعض خطوة دفاعية بحتة لحماية الأمن القومي للبلدين، يعتبرها آخرون بداية لبلورة محور إسلامي قادر على إعادة تشكيل التوازنات في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وربما على مستوى النظام الدولي بأسره.

 

إعداد: جهاد عبد الله

المقال التالي المقال السابق
0