منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول الجاري، دخلت الولايات المتحدة في حالة إغلاق حكومي نتيجة استمرار الخلافات بين الجمهوريين والديمقراطيين داخل الكونغرس حول بنود الموازنة السنوية، ما أدى إلى توقف جزئي في عمل المؤسسات الفدرالية وتكبد الاقتصاد الأميركي خسائر ضخمة تُقدّر بمليارات الدولارات أسبوعيًا، مع انعكاسات تمتد إلى الاقتصاد العالمي.
خسائر اقتصادية فادحة
بحسب مذكرة صادرة عن مجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض، فإن الإغلاق الحكومي يُكلف الاقتصاد الأميركي نحو 15 مليار دولار أسبوعيًا من الناتج المحلي الإجمالي. وإذا استمر الإغلاق لمدة شهر، فقد يرتفع عدد العاطلين عن العمل إلى 43 ألف شخص، بينما يتأثر نحو 1.9 مليون موظف فدرالي، معظمهم في منطقة واشنطن، إما بالتوقف المؤقت عن العمل أو بالعمل دون أجر.
وتُقدّر تكلفة تعليق عمل الموظفين الاتحاديين بنحو 400 مليون دولار يوميًا، فيما تشير التوقعات إلى انخفاض إنفاق المستهلكين بمقدار 30 مليار دولار خلال شهر واحد، نصفها نتيجة التأثير المباشر على الموظفين الفدراليين، والنصف الآخر بسبب التداعيات غير المباشرة على القطاعات الأخرى.
تصعيد سياسي وتهديدات بالتسريح
تشير التطورات السياسية إلى احتمال تصعيد أكبر في أزمة سوق العمل، إذ ألمح الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إمكانية تنفيذ عمليات تسريح جماعي للموظفين الاتحاديين إذا لم تُحرز المفاوضات مع الديمقراطيين أي تقدم. هذا التهديد يزيد من احتمالات تفاقم البطالة وامتداد آثارها إلى القطاع الخاص.
تأثيرات مباشرة على حياة المواطنين
الإغلاق الحكومي ينعكس بشكل مباشر على حياة المواطنين، خاصة الفئات الأكثر هشاشة مثل النساء والأطفال والرضع الذين يعتمدون على برامج الرعاية الفدرالية، إضافة إلى المستفيدين من الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، والبرامج التعليمية التي تخضع لمراجعة تمويل دورية.
كما تأثرت حركة النقل الجوي، حيث تضاعفت نسبة الغياب بين موظفي إدارة أمن النقل ومراقبي الحركة الجوية ثلاث مرات، نتيجة العمل دون أجر.
غياب المؤشرات الاقتصادية الرسمية
أدى الإغلاق إلى تعليق عمل وكالات فدرالية مهمة، مثل مكتب إحصاءات العمل، مما تسبب في تأجيل نشر تقارير اقتصادية حيوية، منها تقرير الوظائف ومؤشر أسعار المستهلك. هذا الغياب يُربك بنك الاحتياطي الفدرالي الذي يدرس تخفيض أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل.
وتُشير تقديرات "جي بي مورغان" إلى أن الإغلاق يقلص نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي بنسبة 0.1% أسبوعيًا، نتيجة تراجع النشاط الحكومي.
آثار نفسية وثقة متراجعة
استمرار الإغلاق يُضعف ثقة المستهلكين والشركات، ما قد يؤدي إلى تراجع في الإنفاق، وهو ما يُشكل خطرًا كبيرًا على الاقتصاد الأميركي، خاصة أن إنفاق المستهلكين يمثل 70% من النشاط الاقتصادي.
الأسواق المالية والموقف السياسي
رغم كل ذلك، لم تُظهر الأسواق المالية تأثرًا كبيرًا، إذ يميل المستثمرون إلى التركيز على الاتجاهات الاقتصادية طويلة الأجل. ومع ذلك، يخطط الرئيس ترامب لتخفيضات مؤقتة أو دائمة في الإنفاق للضغط على الديمقراطيين، وقد جمدت إدارته بالفعل نحو 28 مليار دولار من التمويل المخصص للولايات والمدن الديمقراطية.
تداعيات دولية مقلقة
تتجاوز آثار الإغلاق حدود الولايات المتحدة، لتؤثر على الاستقرار الاقتصادي العالمي والثقة في المنظومة المالية الأميركية. استمرار الإغلاق يُضعف الثقة في الاقتصاد الأميركي، ويهدد بانخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر، ويُعزز الدعوات للتخلي عن الدولار في التجارة الدولية.
غياب البيانات الاقتصادية يزيد من الضبابية، ويُربك المستثمرين وصانعي السياسات حول العالم، ما قد يدفعهم إلى تنويع استثماراتهم بعيدًا عن الدولار الأميركي، واللجوء إلى أصول آمنة مثل الذهب، الذي ارتفعت أسعاره إلى مستويات قياسية منذ بداية الإغلاق.
خلافات حادة في الكونغرس
الخلافات في الكونغرس تتمحور حول تمديد مخصصات الرعاية الصحية التي يستفيد منها ملايين الأميركيين من ذوي الدخل المحدود، بينما يرفض الجمهوريون تقديم أي تنازلات رغم سيطرتهم على المجلس التشريعي والبيت الأبيض، ما يجعل تمرير قوانين التمويل الحكومي مرهونًا بتوافق الطرفين.
أزمة غير مسبوقة
رغم أن الإغلاقات الحكومية كانت تُعتبر سابقًا أزمات مؤقتة، فإن المناخ السياسي الحالي، المليء بالانقسامات الحزبية والتهديدات بالتسريح الجماعي، يُنذر بأن هذا الإغلاق قد يكون الأعمق والأكثر تأثيرًا في تاريخ الولايات المتحدة.