تستعد البرازيل لاستخدام واحدة من أقوى أوراقها التفاوضية في مواجهة الرسوم الجمركية الأمريكية، وهي امتلاكها ثاني أكبر احتياطي في العالم من المعادن النادرة، التي تعد ركناً أساسياً في الصناعات التكنولوجية والعسكرية الحديثة.
تُستخدم هذه المعادن في مجالات متعددة تمتد من صناعة السيارات الكهربائية والألواح الشمسية والهواتف الذكية، إلى المحركات النفاثة والصواريخ الموجهة، ما يمنح البرازيل موقعاً استراتيجياً في الاقتصاد العالمي.
وفي وقت تحتكر الصين تقريباً إنتاج ومعالجة هذه المعادن، ما يمنحها نفوذاً جيوسياسياً واسعاً، تسعى البرازيل إلى استثمار مواردها الغنية لتقوية موقعها التفاوضي أمام واشنطن، خاصة في ظل التوتر التجاري القائم بين الولايات المتحدة وبكين.
وزير المناجم والطاقة البرازيلي ألكسندر سيلفييرا أكد وجود "تقارب في المصالح بين الإمكانات المعدنية البرازيلية ورأس المال الأمريكي"، مشيراً إلى أن هذا الملف قد يكون محوراً رئيسياً في الاجتماع المحتمل هذا الأسبوع بين الرئيسين لويس إيناسيو لولا دا سيلفا ودونالد ترامب، على هامش قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في كوالالمبور.
وكان ترامب قد فرض رسوماً عقابية بنسبة 50% على بعض الصادرات البرازيلية، احتجاجاً على محاكمة الرئيس السابق جايير بولسونارو، الذي حُكم عليه بالسجن 27 عاماً، في خطوة وصفها ترامب بـ«الحملة الشعواء».
ويصف خبراء المعادن النادرة بأنها تمتلك "نفوذاً جيوسياسياً" واضحاً، إذ تشير بيانات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية إلى أن الصين تمتلك نحو 44 مليون طن متري من الاحتياطي العالمي، فيما تملك البرازيل حوالي 21 مليون طن، تضعها في المرتبة الثانية عالمياً.
وفي ظل القيود الجديدة التي فرضتها بكين على صادرات تكنولوجيا المعادن النادرة، تسعى واشنطن إلى تنويع مصادرها، عبر اتفاقات مع دول مثل أستراليا، إلى جانب خطط لإجراء محادثات مباشرة مع الصين في كوالالمبور.
سيلفييرا يرى أن "انعدام الثقة بين بكين وواشنطن يشكل نافذة فرصة كبيرة للبرازيل"، موضحاً أن الشركات الأمريكية تُعد من أبرز المستثمرين في هذا القطاع داخل بلاده، رغم اقتصار نشاطها على عمليات الاستخراج دون تطوير مراحل أكثر تقدماً مثل فصل المعادن أو تصنيع المكونات.
في المقابل، يرى الخبير البرازيلي خيلبرتو فرنانديز دي سا أن البرازيل تميل إلى تعزيز التعاون مع الصين في هذا المجال، نظراً لتفوقها في الخبرة والمعالجة الصناعية، مضيفاً أن "الوضع الاستراتيجي للبرازيل معقد، فهي تقف في موقع حساس بين قوتين اقتصاديتين متنافستين".
ومع تصاعد الصراع الجيوسياسي على موارد المستقبل، تبدو المعادن النادرة اليوم أكثر من مجرد مورد طبيعي للبرازيل — إنها ورقة نفوذ كبرى قد تعيد رسم ملامح علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع كلٍّ من واشنطن وبكين.