كشفت تحقيقات وتقارير إعلامية أوروبية عن اتساع دائرة التضليل الإعلامي المصاحب للأحداث في مدينة الفاشر بعد سيطرة قوات الدعم السريع عليها، إذ تبين أن عدداً من الصور ومقاطع الفيديو المتداولة على أنها توثق "مقابر جماعية" أو "مجازر دموية" لم تكن سوى محتوى مضلل، جرى توظيفه سياسياً وإعلامياً على نطاق واسع.
إحدى أبرز الحالات التي أثارت جدلاً واسعاً كانت صورة من Google Earth زُعم أنها تُظهر موقع مجزرة في منطقة كوميا بالسودان. غير أن محللي صور الأقمار الصناعية أكدوا أن الصورة قديمة تعود إلى عامي 2022 و2024، ولا تُظهر جثثاً أو دماء كما أشيع، بل ماشية تتجمع حول بركة مياه طبيعية.
There are a lot of horrific images, videos and even satellite images you can use to show the horrors that are happening in Sudan.
— Benjamin Strick (@BenDoBrown) November 3, 2025
But this is a watering hole and those are animals.
Note it was also there in March 2022. https://t.co/DuCnHFsPcI pic.twitter.com/nqoXf6rgNU
كيف بدأت القصة؟
وفقاً لمنصة Snopes الأمريكية للتحقق من الأخبار، بدأت القصة مطلع نوفمبر 2025 حين انتشرت صورة من Google Earth على مواقع التواصل الاجتماعي، وادعى ناشرون أنها توثق "أكواماً من الجثث البشرية في برك من الدماء" داخل السودان.
أحد المنشورات، الذي حصد ملايين المشاهدات على منصة X، وصف الصورة بأنها "أكثر الصور إزعاجاً على جوجل إيرث"، داعياً إلى "الحديث عن الإبادة الجماعية في السودان".
لكن بعد تدقيق الصورة، تبين أنها مأخوذة من منطقة زراعية في كوميا، وتُظهر حيوانات متجمعة حول حفرة سقاية، وليس ضحايا مذبحة كما روّج البعض. وتأكد ذلك بعد مراجعتها على خرائط Apple التي تُظهر المشهد ذاته بوضوح أكبر، حيث يمكن تمييز الأشكال كحيوانات قائمة على أربع أرجل.
إجماع الخبراء
فريق التحقق في هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) توصل إلى النتيجة ذاتها، وذكر في تقريره أن الصورة "أسيء تفسيرها على أنها دليل على عمليات قتل جماعي"، موضحاً أنها "تُظهر ماشية أو أبقاراً بالقرب من حفرة سقاية".
وأكد ناثانيال رايموند، مدير مختبر ييل للأبحاث الإنسانية، أن الصورة "لا تُظهر جثثاً بشرية بل حيوانات"، فيما أوضح بنيامين ستريك، مدير التحقيقات في مركز المرونة للمعلومات، أن الصورة كانت متاحة منذ عام 2022 قائلاً:
"هناك الكثير من الأدلة الحقيقية على الفظائع في السودان، لكن هذه الصورة ليست واحدة منها... إنها مجرد حفرة سقاية وحيوانات متجمعة حولها."
وشدد ستريك في حديثه إلى فرانس 24 على ضرورة دمج صور الأقمار الصناعية بعناصر تحقق أخرى، مؤكداً أن "صور الأقمار الصناعية وحدها لا تكفي لتحديد وقوع إبادة جماعية".
تضليل إعلامي منظم
ورغم نفي الخبراء، وقعت بعض القنوات الفضائية والمواقع الإخبارية وحتى شخصيات مؤثرة في فخ التضليل، وبثت الصور والمقاطع على أنها توثيق لجرائم جديدة في الفاشر، مما ساهم في تضخيم الأثر الإعلامي للمعلومات الخاطئة.
ووفقاً لـ دويتشه فيله، أوضح الباحث في النزاعات غيريت كورتز أن قسماً كبيراً من المحتوى المضلل الخارج من السودان كان موجهاً إلى الجمهور الدولي، مشيراً إلى تداخل مصالح عدة أطراف إقليمية ودولية في بلد يتمتع بموقع استراتيجي حساس.
وأشار تقرير لمؤسسة يوراسيا إلى أن بعض القوى العسكرية، بما في ذلك الجيش والمجموعات المتحالفة معه، حاولت تغطية انسحابها من الفاشر بحملة تضليل إعلامي مكثفة لإخفاء هزيمتها الميدانية.
وأكد المتخصص في مكافحة التضليل محمد المختار أن جزءاً كبيراً من المواد المنشورة على المنصات "مفبرك بشكل ممنهج" بهدف توجيه الغضب الشعبي وصناعة روايات بديلة حول الصراع، موضحاً أن "غرف الدعاية السياسية والحربية كثفت نشر محتوى مضلل لتحويل الصورة من حرب داخلية إلى عدوان خارجي."
ويرى محللون أن رمزية مدينة الفاشر ودلالتها المعنوية على القوات المسلحة السودانية دفعت بعض الأطراف إلى إنتاج محتوى دعائي مضاد، خاصة بعد سقوط المدينة الذي اعتبر "هزيمة رمزية وسياسية كبيرة" للجيش بعد 18 شهراً من الحصار، وفقاً للباحث برافين أونديتي من معهد هورن للدراسات.