لقاءات سابقة ومقاربة دبلوماسية شخصية
الزيارة الرسمية جاءت بعد سلسلة من اللقاءات غير العلنية جمعت الرئيس الشرع بنظيره الأذربيجاني في محافل دولية. وفي حديث مع وكالة ستيب نيوز يقول الدكتور مختار فاتح بي ديلي، الباحث في الشأن الدولي: "إن اختيار الرئيس أحمد الشرع لأذربيجان كأول دولة آسيوية غير عربية يزورها يحمل دلالات سياسية وجيوسياسية عميقة، تتجاوز الطابع البروتوكولي المعتاد للزيارات الرسمية". ويضيف: "الرئيس أحمد الشرع كان قد التقى الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف في أكثر من مناسبة دولية، أبرزها ملتقى أنطاليا الدبلوماسي في تركيا، حيث برز انسجام واضح في الرؤى السياسية بين الطرفين، خصوصًا فيما يتعلق بقضايا السيادة الوطنية ورفض التدخلات الخارجية. هذه اللقاءات التمهيدية ساهمت في تمهيد الطريق لعلاقات ثنائية أكثر عمقًا". هذا التراكم في العلاقات الدبلوماسية التمهيدية يعكس رغبة مشتركة لدى الطرفين بترجمة التقارب السياسي إلى شراكة أوثق، كما أن مثل هذه اللقاءات غالبًا ما تؤسس لمسارات دبلوماسية خلفية تسبق الخطوات العلنية.الجسر التركماني والبُعد الثقافي
الجانب الثقافي لعب دورًا محوريًا في تشكيل أساس مشترك للعلاقة بين البلدين، عبر قنوات المجتمع والتاريخ. ويقول الدكتور بي ديلي: "وجود جالية تركمانية واسعة في سوريا، يشكل جسرًا ثقافيًا وشعبيًا مهمًا بين البلدين، لاسيما أن التركمان السوريين يشتركون في الأصول العرقية مع الشعب الأذربيجاني. كما أن وجود ضريح الشاعر الصوفي عماد الدين نسيمي في مدينة حلب – والذي يُعتبر أحد الرموز القومية والثقافية الكبرى في أذربيجان – يعزز من مكانة سوريا في الوجدان الأذربيجاني، ويفتح مجالًا لتعزيز السياحة الدينية والثقافية بين البلدين". الروابط الثقافية العميقة، ووجود رموز أذربيجانية في سوريا، يتيحان نافذة لتوسيع العلاقات على مستوى الشعوب، وليس فقط على صعيد الحكومات، ويعززان حضور باكو في المشهد السوري من بوابة لا ترتبط بالنزاعات، بل بالإرث المشترك.محور ثلاثي: أنقرة – باكو – دمشق
التقارب بين أنقرة وباكو، والدعم التركي الظاهر للقيادة السورية الجديدة، شكلا الأرضية لتحرك إقليمي ثلاثي يربط العواصم الثلاث. ويقول الدكتور بي ديلي: "العلاقة الوثيقة بين الرئيس الشرع والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والدعم السياسي والإعلامي التركي المتواصل له، أسهما في تسهيل التواصل مع أذربيجان، التي تُعد من أقرب حلفاء أنقرة في منطقة القوقاز. بالتالي، فإن زيارة الشرع إلى باكو يمكن قراءتها أيضًا كامتداد للتحالف الإقليمي الذي يتشكل في محور “أنقرة – باكو – دمشق”، خصوصًا في ظل التغيرات الجيوسياسية المتسارعة في الإقليم". هذا المحور الناشئ يشكل تحولًا نوعيًا في التمركز الجيوسياسي لدمشق، إذ يخرجها من الاعتماد شبه الحصري الذي استمر لعقود على تحالفها التقليدي مع طهران وموسكو، باتجاه توازن جديد مع قوى صاعدة في الإقليم.الغاز الأذربيجاني على الطاولة: فرص اتفاق واقعي
من أبرز الملفات التي شغلت المباحثات في باكو، توقيع اتفاق لتزويد سوريا بالغاز الأذربيجاني في ظل أزمة الطاقة التي تعصف بها منذ سنوات. ويقول الدكتور بي ديلي: "هناك مؤشرات قوية تدعم احتمال توقيع اتفاق لتزويد سوريا بالغاز الأذربيجاني في المرحلة المقبلة. الزيارة الأخيرة للرئيس أحمد الشرع إلى باكو، ولقاؤه الحار مع الرئيس إلهام علييف، وما تخللها من نقاشات حول ملفات الطاقة والتعاون الإقليمي، تعزز هذا الاحتمال". ويضيف: "أذربيجان، ضمن استراتيجيتها الجديدة ما بعد انتصارها في ناغورنو قره باغ، تسعى إلى تنويع شركائها وتعزيز مكانتها بوصفها “جسر طاقة” بين الشرق والغرب، ولا ترى سوريا مجرد سوق محتملة، بل بوابة نحو عمق المشرق العربي وبلاد الشام". الخطة الأذرية الطموحة لتحويل نفسها إلى عقدة طاقة إقليمية تتلاقى مع حاجة سوريا الملحّة لمصادر بديلة ومستقرة للطاقة. ومن هنا، فإن مصالح الطرفين قد تلتقي في مشروع قابل للتنفيذ على المدى القريب.معوقات التنفيذ واحتمالات النجاح
رغم الفرص التي يتيحها مشروع الغاز، فإن تنفيذه يصطدم بعقبات فنية وسياسية معقدة تتطلب توافقات واسعة النطاق. ويقول الدكتور بي ديلي: "نجاح المشروع يرتبط بعدة عوامل، من بينها الاستقرار السياسي في سوريا، إذ لا يمكن تجاهل أن البنية التحتية لنقل الغاز تحتاج إلى مناطق مستقرة وآمنة، وهذا يتطلب تفاهمات مع أطراف داخلية وربما قوى خارجية لها نفوذ في بعض مناطق العبور". ويضيف: "إذا ما تم نقل الغاز الأذربيجاني عبر الأراضي التركية باتجاه الشمال السوري، فإن الدعم التركي اللوجستي والأمني سيكون عنصرًا حاسمًا في إنجاح المشروع. كذلك، فإن أذربيجان قد تكون مستعدة لتقديم الغاز بأسعار تفضيلية، لكنها على الأرجح ستطلب ضمانات مالية أو استثمارية، سواء عبر صندوق سيادي مشترك أو عبر دعم تقني من جهات ثالثة مثل قطر أو تركيا".وزارة الطاقة السورية توقع اتفاقية مع شركة سوكار الأذربيجانية لتوريد الغاز الطبيعي إلى سوريا. https://t.co/5cRfSUjawp
— Step News Agency - وكالة ستيب نيوز (@Step_Agency) July 12, 2025