كشفت صحيفة "معاريف" العبرية عما وصفه باحث إسرائيلي بارز بـ"الخطوة السرية التي تُحاك منذ أشهر"، مشيراً إلى أن أنقرة تُخطط لمعاقبة إسرائيل بشكل مدروس ومنهجي، عبر إجراءات قانونية وسياسية متراكمة.
وأوضح الباحث حاي إيتان كوهين ياناروجاك، في تصريحات للصحيفة، أن إصدار تركيا مذكرات توقيف بحق 37 مسؤولاً إسرائيلياً رفيع المستوى، بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ليس مجرد خطوة رمزية أو دعائية، بل يأتي ضمن سياسة تركية "مُحكمة التخطيط" تهدف إلى تجميد أي مسار للتطبيع مع الحكومة الإسرائيلية الحالية.
وقال كوهين ياناروجاك: "طالما أن هؤلاء المسؤولين لا يطأون الأراضي التركية، فليس للقرار أي أثر عملي، لكن معناه السياسي عميق، إذ توجّه أنقرة رسالة مفادها أنه لا يمكن تطبيع العلاقات ما دامت هذه الحكومة في تل أبيب على رأس السلطة، حتى بعد انتهاء الحرب في غزة".
تحضير طويل المدى وخلفيات سياسية
وكشف الباحث أن أنقرة حضّرت لهذا الملف منذ أشهر، حيث "جمعت وثائق وشهادات من مستشفيات ومصادر متعددة مرتبطة بالحرب على غزة"، واصفاً الخطوة بأنها "عملية شاملة وجادة" تهدف إلى بناء ملف قانوني متكامل ضد مسؤولين إسرائيليين.
وأشار إلى أن تركيا، رغم عدم توقيعها على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، تعمل على استكمال المسار القانوني الدولي بوسائلها الخاصة، مضيفاً أن مذكرات التوقيف الصادرة في أنقرة تُكمل قرار المحكمة الدولية بحق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت.
أردوغان بين السياسة الداخلية والصورة الإسلامية
وحول دوافع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قال كوهين ياناروجاك إن الخطوة تحمل بعدين متداخلين: "كل مرة يتخذ أردوغان موقفاً حاداً ضد إسرائيل، يخدم ذلك مصالحه في الداخل التركي، كما يعزز صورته في العالم الإسلامي ويحافظ على إرثه السياسي".
ورأى الباحث أن العلاقات الإسرائيلية – التركية تمر بـ"نقطة تدهور جديدة"، مضيفاً: "في كل مرة نعتقد أن العلاقات وصلت إلى القاع، نجد أن أنقرة قادرة على دفعها إلى مستوى أدنى، بطريقة ممنهجة ومدروسة".
البعد الإقليمي ودور تركيا في “اليوم التالي لغزة”
وبحسب التقرير، ترتبط الخطوة التركية أيضاً برغبة أنقرة في لعب دور في مرحلة "اليوم التالي" في قطاع غزة، إذ يرى كوهين ياناروجاك أن إصدار مذكرات التوقيف يعكس "استياء تركياً من استبعادها عن ترتيبات ما بعد الحرب".
وأوضح أن "أنقرة كانت تتوقع أن تكون جزءاً من المرحلة الثانية من التفاهمات الإقليمية حول غزة، لكنها وجدت نفسها خارج الحسابات، ما يمكن تفسيره كنوع من العقاب الموجه لإسرائيل".
وأكدت الصحيفة أن الرسالة التركية واضحة: أنقرة تغلق الباب أمام التعاون مع الحكومة الإسرائيلية الحالية، وتسعى لتثبيت هذا الموقف كسياسة رسمية طويلة الأمد، وليس كرد فعل مؤقت.
تطورات دبلوماسية متزامنة
تزامن التقرير مع تصريحات المتحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية شوش بيدروسيان، التي أعلنت فيها رفض تل أبيب لأي وجود عسكري تركي في غزة ضمن أي قوة متعددة الجنسيات قد تحل محل الجيش الإسرائيلي.
وفي المقابل، أعلنت وزارة الخارجية التركية أن الوزير هاكان فيدان سيتوجه إلى الولايات المتحدة يوم الاثنين في زيارة تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين أنقرة وواشنطن.
وتأتي الزيارة في توقيت دبلوماسي حساس، إذ تتزامن مع وصول الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن في أول زيارة رسمية لرئيس سوري منذ عقود، وهو ما اعتبرته صحيفة "هآرتس" مؤشراً على إعادة رسم التوازنات الإقليمية.
وقالت الصحيفة إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعمل على مبادرة دبلوماسية جديدة تتضمن تفاهمات أمنية بين سوريا وإسرائيل، إضافة إلى انضمام دمشق إلى الإطار العام للاتفاقات الإبراهيمية.
ويرى مراقبون أن التزامن بين زيارة فيدان ولقاء الشرع – ترامب يعكس تشابك المصالح الإقليمية، في وقت تسعى فيه تركيا لتأمين نفوذها في شمال سوريا، بينما تمضي واشنطن نحو إعادة دمج دمشق في منظومة أمنية وسياسية أوسع في الشرق الأوسط.