كتبت صحيفة إزفيستيا الروسية تقريراً كشفت فيه عن تصاعد المخاوف الفنزويلية من نية الولايات المتحدة شنّ عملية عسكرية ضدّها، بعد تعزيز واشنطن وجودها العسكري في منطقة البحر الكاريبي خلال الأسابيع الأخيرة، في خطوة وصفتها كاراكاس بأنها “مؤشر واضح على نوايا عدوانية مبيتة”.
وأوضحت الصحيفة أن فنزويلا وسّعت نطاق استعدادها القتالي، حيث تمّ في 14 أكتوبر/تشرين الأول تفعيل خطة “الاستقلال 200” في ثلاث ولايات إضافية، وهي خطة تهدف إلى حماية المنشآت الاستراتيجية والبنى التحتية الحيوية في البلاد من أي تهديد خارجي محتمل، ويأتي هذا التطور في ظلّ حالة تأهب متصاعدة بعد تقارير عن تحركات بحرية أمريكية قرب المياه الإقليمية الفنزويلية.
وبحسب ما نقلته إزفيستيا عن مصادرها، أبدت كاراكاس استعدادها لقبول وساطة روسية في حال استمرار التصعيد مع الولايات المتحدة، بينما تدرس موسكو بالفعل هذا الخيار ضمن مقاربة دبلوماسية تهدف إلى منع اندلاع مواجهة عسكرية في القارة اللاتينية، كما أدانت روسيا بشدة استهداف سلاح الجو الأمريكي للسفن في المياه الدولية بالقرب من فنزويلا، معتبرةً ذلك “انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي”.
وفي هذا السياق، قال الأستاذ في جامعة “واين ستيت” بديترويت، الدكتور سعيد خان، لصحيفة إزفيستيا إن “الإجراءات الأمريكية تُعدّ ردًا غير مقنع على خطر الاتجار بالمخدرات المزعوم لعدة أسباب: أولًا، لا يوجد دليل قاطع على أن الاتجار بالمخدرات يمثل مشكلة حقيقية؛ ثانيًا، نُفذت العمليات العسكرية الأمريكية في المياه الدولية، وهو أمر غير قانوني في جوهره؛ وأخيرًا، هذه الإجراءات غير متكافئة وغير مناسبة، إذ يُقال إنها تستهدف سفن صيد لا تحمل أي ذخائر خطرة”.
وأضاف خان أنّ الولايات المتحدة تنفّذ هذه العمليات دون أي أدلة ملموسة على وجود مخدرات على متن السفن المستهدفة، ما يعزز الشكوك حول الدوافع الحقيقية وراء التحركات الأمريكية.
وأشار الخبير إلى أن الدوافع لا تقتصر على الجانب الأمني، بل تمتد إلى اعتبارات اقتصادية وسياسية أعمق، مؤكدًا أن “الولايات المتحدة تسعى لإزاحة الرئيس نيكولاس مادورو، الذي لا تعترف واشنطن بفوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة”. وتابع موضحًا: “فنزويلا منتج كبير للنفط، وقد سعت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة إلى تحييد نفوذها النفطي الإقليمي والعالمي، وهذا يثبت أن عداء واشنطن لكاراكاس سابق للاهتمام المُعلن حاليًا بمشكلة المخدرات”.
ويأتي هذا التوتر في وقت تشهد فيه أمريكا اللاتينية حالة من الاستقطاب الحاد بين المحاور المؤيدة للولايات المتحدة وتلك المقربة من روسيا والصين، ما يجعل أي تصعيد عسكري في فنزويلا ذا تداعيات جيوسياسية واسعة.
وتخشى أوساط مراقبة أن يكون التحرك الأمريكي مقدمة لسيناريو “تغيير النظام” على غرار ما حدث في العراق أو ليبيا، خصوصاً في ظلّ تصاعد الخطاب العدائي من بعض الدوائر الأمريكية ضد حكومة مادورو، في المقابل، تبدو موسكو مصمّمة على لعب دور “الوسيط المانع للحرب”، في محاولة للحفاظ على نفوذها في المنطقة ومنع واشنطن من توسيع دائرة نفوذها في الكاريبي.
ويُشير مراقبون إلى أنّ تفعيل خطة “الاستقلال 200” قد يكون رسالة ردع مزدوجة من كاراكاس إلى واشنطن، مفادها أن فنزويلا مستعدة للدفاع عن سيادتها بكل الوسائل، لكنها لا تزال منفتحة على المسار الدبلوماسي عبر الوساطة الروسية.