تتجه أنظار الشارع الرياضي السوري إلى العاصمة دمشق، حيث تُعقد غدًا الخميس انتخابات اتحاد كرة القدم السوري، في استحقاق يُنظر إليه باعتباره محطة مفصلية قد تعيد رسم ملامح مستقبل اللعبة في البلاد، بعد سنوات من التراجع الإداري والفني، وتدهور ثقة الجماهير بالمؤسسات الرياضية الرسمية.
أول انتخابات بعد التحرير.. بنظام القوائم وتنافس ثنائي
للمرة الأولى، تُجرى الانتخابات وفق نظام القوائم، بعد تعديلات أقرتها الجمعية العمومية، ويتنافس فيها قائمتان فقط استوفتا الشروط القانونية.
يقود القائمة الأولى الحكم الدولي السابق جمال الشريف مرشحاً لمنصب رئيس الاتحاد، ومحمد نبيل السباعي نائباً للرئيس، إضافة إلى الأعضاء: تاج الدين فارس، أنور عبد القادر، محي الدين دولة، وليد أبو السل، وائل حاج عبيد، محمد جمعة، أيمن الحزام، مها قطريب، وأبي شقير.
بينما يتزعم القائمة الثانية اللاعب والإداري السابق فراس تيت، الذي يحظى بدعم واسع من الأندية، حيث حصلت قائمته على 30 صوتًا من أصل 55 في مرحلة التأييد، إلى جانب فادي الدباس نائباً للرئيس، وعضوية كل من: يعقوب قصاب باشي، موفق فتح الله، تركي العلي، أحمد الخالد، يوسف الحسن، محمد الغادري، سليم سبع الليل، مروان الخوري، ونانسي معمر.
وتُعقد الانتخابات في مقر الاتحاد بمدينة الفيحاء الرياضية بدمشق، بمشاركة ممثلين عن أندية الدوري الممتاز والدرجات الأدنى، إضافة إلى روابط اللاعبين والحكام والمدربين، في مشهد انتخابي يُعد الأول من نوعه بعد التحرير وعودة النشاط الرياضي تدريجيًا.
وتتألف الجمعية العمومية الانتخابية من ممثلين عن مختلف الدرجات والأندية، وتشمل: عضوين عن كل نادٍ من أندية الدوري الممتاز لفئة الرجال لموسم 2024–2025 وعددها 14 نادياً وعضواً عن كل نادٍ من أندية الدرجة الأولى لفئة الرجال للموسم ذاته وعددها 8 أندية وعضواً عن كل نادٍ من أندية الدرجة الثانية لموسم 2023–2024 وعددها 8 أندية.
كما تضم الجمعية العمومية ثلاثة أندية مُنحت حق التصويت بموجب قرار الجمعية العمومية في اجتماعها الاستثنائي وهي: شرطة دير الزور، الهيجانة، جيش حلب، وعضواً عن أندية الدرجة الأولى لفئة السيدات وعددها 3 أندية و14 ممثلاً عن اللجان الفنية الفرعية وثلاثة أعضاء يمثلون روابط اللاعبين والحكام والمدربين.
وكانت الأمانة العامة لاتحاد الكرة قد نشرت في ساعة متأخّرة من مساء الاثنين الفائت تعميمًا يحمل الرقم 3، يتضمن إعلان القوائم الرسمية النهائية للمرشحين لانتخابات اللجنة التنفيذية لاتحاد الكرة، المقرّرة في 20 نوفمبر الجاري، لتحديد هوية الاتحاد الجديد الذي تمتد فترة رئاسته أربع سنوات (2025 – 2029).
إعادة هيكلة الاتحاد: أولى خطوات الإصلاح
في السنوات الماضية، عانت الكرة السورية من اهتزاز الثقة بين الشارع الرياضي ومؤسّساتها الرسمية، نتيجة تراكمات من الفشل الإداري، وسوء التخطيط، وغياب الرؤية الواضحة، حيث تغيرت الوجوه، وتبدلت الشعارات، لكن المشكلات الجوهرية بقيت كما هي: ضعف في البنية التنظيمية، وغياب للشفافية في اتخاذ القرار، وتراجع في مستوى المنتخبات الوطنية رغم وجود خامات مميزة من اللاعبين.
وفي تصريح خاص لوكالة ستيب نيوز، أكد فراس تيت أن أولويته هي "إعادة هيكلة الاتحاد تنظيميًا وإداريًا وفنيًا من خلال تشكيل إدارات خاصة بكل ملف"، معتبرًا أن هذه الخطوة ضرورية لتجاوز التراكمات السابقة وبناء منظومة احترافية مستدامة.
تطوير الدوري المحلي: رافعة فنية واقتصادية
يقف الاتحاد القادم اليوم أمام مسؤولية كبرى لإعادة ترتيب البيت الكروي من الداخل، عبر بناء هيكل إداري مهني يعتمد على الكفاءة لا على العلاقات، وعلى التخطيط لا على الارتجال.
يرى تيت أن الكرة السورية "في وضع وسطي، لكنها لا تحتاج عشرات الأعوام للنهوض. من السنة حتى الأربع سنوات سيكون هناك تحسن ملحوظ، من خلال الاهتمام بالدوري المحلي ورفع المستوى الفني والإداري لكافة الكوادر الرياضية".
ويُعد الدوري السوري من أقدم الدوريات العربية، لكنه فقد الكثير من بريقه خلال العقد الأخير بسبب ضعف البنية التحتية، وتراجع الاستثمار، وهجرة اللاعبين والمدربين إلى الخارج.
ويؤكد تيت أن "الدوري السوري سيكون من أقوى الدوريات العربية بعد أن نستعيد عافيتنا من خلال البنى التحتية وتأهيل الكوادر"، مشيرًا إلى أن الخصخصة قد تكون خيارًا مطروحًا مستقبلًا لتطوير الأندية واستثمارها بشكل احترافي.
ملف اللاعبين المغتربين: إدارة خاصة واستراتيجية جديدة
وحول ملف اللاعبين المغتربين والمجنسين، شدد تيت على أن "هناك إدارة خاصة بملف اللاعبين المغتربين واهتمام كبير بهذا الملف"، في إشارة إلى توجه جديد يسعى للاستفادة من الخبرات السورية المنتشرة في أوروبا والخليج وأمريكا اللاتينية، بعد سنوات من التهميش والارتجال في التعامل مع هذا المورد البشري الحيوي.
ويُعد هذا الملف من أكثر القضايا حساسية في الكرة السورية، حيث فشلت الاتحادات السابقة في بناء جسور تواصل فعالة مع اللاعبين السوريين في الخارج، رغم وجود أسماء بارزة تلعب في دوريات قوية.

البنية التحتية والمنشآت الرياضية: دعم لا إدارة
وفيما يتعلق بالبنية التحتية، أوضح تيت أن "المنشآت هي شأن الوزارة، وسنكون داعمين بكل قوتنا من خلال علاقاتنا مع الاتحادات العربية والشركاء المحليين"، مؤكدًا أن الاتحاد سيعمل على تسهيل مشاريع التأهيل والتطوير، دون أن يتجاوز صلاحياته القانونية.
وتعاني الملاعب السورية من تقادم كبير، وغياب المواصفات الدولية، إلى جانب استمرار الحظر المفروض على إقامة المباريات الدولية داخل البلاد منذ أكثر من عقد.
الأكاديميات الرياضية: مشروع متكامل لاكتشاف المواهب
أشار تيت إلى أن الأكاديميات الرياضية ستحظى ببرنامج متكامل لاكتشاف وتطوير المواهب وفق الفئات العمرية، مؤكدًا أن "الأكاديميات لها جزء كبير من اهتمامنا وسيكون لها برنامج متكامل"، في خطوة تهدف إلى بناء قاعدة كروية علمية ترفد المنتخبات الوطنية بلاعبين مؤهلين.
ويُعد غياب الأكاديميات المتخصصة من أبرز أسباب ضعف التنشئة الكروية في سوريا، حيث تعتمد معظم الأندية على جهود فردية دون منهجية واضحة أو شراكات دولية.
فك الحظر الدولي: هدف استراتيجي يتطلب بنية جاهزة
وفيما يخص الحظر الدولي على الملاعب السورية، شدد تيت على أن الاتحاد سيعمل على فك الحظر عبر التواصل مع الاتحاد الدولي لكرة القدم، لكنه أشار إلى أن نجاح هذا الملف يرتبط بعوامل عديدة، أبرزها تحسين البنية التحتية للملاعب.
وقال: "سنسعى لفك الحظر عن طريق الاتحاد الدولي، ولكن هذا يحتاج عوامل للنجاح بالملف، وأساس لذلك البنى التحتية"، في إشارة إلى ضرورة تجهيز ملاعب بمواصفات أمنية وفنية تضمن عودة المباريات الدولية إلى الأرض السورية.
مرحلة حسّاسة
تقف الكرة السورية اليوم على أعتاب تحول تاريخي، لا تحدده فقط نتائج صناديق الاقتراع، بل تحدده الإرادة الفعلية في كسر حلقة التراجع والانطلاق نحو بناء رياضة وطنية حديثة تُدار بالكفاءة لا بالمجاملات، وبالرؤية لا بالشعارات.
الانتخابات الحالية ليست مجرد تنافس بين أسماء، بل هي اختبار حقيقي لمدى استعداد المؤسسات الرياضية لتبني الإصلاح، واستعادة ثقة الجماهير، وفتح أبواب الملاعب أمام حلم طال انتظاره. فإما أن تكون هذه الانتخابات بداية لعهد جديد، أو مجرد محطة أخرى في مسلسل التكرار والتراجع، لتصبح الكرة الآن في ملعب "الاتحاد" القادم، فإما أن يكتب بداية جديدة للكرة السورية، أو يتركها رهينة الماضي.