مع إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية، يبدو العراق على مفترق طرق جديد، مرحلة تتخللها مخاطر جسيمة وفرص مشكوك فيها. صعود الفصائل المسلحة إلى قلب البرلمان يحمل في طياته رسائل قوية إلى الداخل والخارج مفادها بأن اللعبة السياسية تغيرت وأصبح للسلاح صوت مسموع في صلب البرلمان؛ وللخارج، بأن بغداد لم تعد حديقة دبلوماسية آمنة يمكن التحكم فيها بسهولة.
ركزت تقارير محلية وغربية على مشاركة الفصائل المسلحة في الانتخابات البرلمانية في العراق، حيث تمكنت عبر أجنحتها السياسية من حصد أصوات ومقاعد كثيرة، ما يمنحها الفرصة للتغلغل في البرلمان ومؤسسات الدولة مجددا وبقوة.
وفي وقت عززت فيه الفصائل حضورها داخل البرلمان الجديد، خسرت القوى المدنية والليبرالية، تمثيلها المنشود في البرلمان.
وفي هذا السياق، يقول الخبير الأمني والسياسي غني الغضبان، لوكالة ستيب الإخبارية، إن الانتخابات البرلمانية في العراق أسفرت عن نتائج غير متوقعة، خصوصا إذا ما تمت مقارنتها مع الانتخابات السابقة.
ويضيف: "حقيقة الانتخابات البرلمانية جعلت الولايات المتحدة تراجع أوراقها داخل الساحة السياسية العراقية، فصعود أكثر من مئة شخص إلى قبة البرلمان وهؤلاء أغلبهم موالين لولاية الفقيه، علي خامنئي".
ويتابع: "أي اليوم لدينا مئة نائب ولائهم لإيران، ولا يستطيع هؤلاء أن يمرروا جميع القوانين والتشريعات التي لا تصب في صالح إيران والموالين لها داخل العراق وهذه الطامة الكبرى وخاصة بعد غياب القوى الليبرالية والمدنية والعلمانية، وغيابهم كان استبعادا ممنهجا أو بطريقة عدم معرفة إدارة الماكينة الانتخابية. على أي حال وصلنا إلى صعود أغلبية الموالين لإيران إلى قبة البرلمان".
الخبير الأمني العراقي أردف: "من باب ثان حقيقة الأمريكان يدركون جيدا خطورة هذا الأمر، لذلك لا بد أن يتدخلوا بشكل واضح وصريح وخصوصا إذا ما قام الإطار التنسيقي باختيار رئيس لمجلس الوزراء يكون من الولائيين (أي مقرب من الصف الإيراني). فهنا تختلف الموازين جذرياً والعراق سوف ينحدر كليا إلى الجانب الإيراني بعد أن حاول الكاظمي أو السوداني، تقويض هذه العلاقة ما بين العراق وإيران وقطع النفوذ الإيراني داخل العراق ومحاولة تقليل تهريب العملة والنفط الإيراني باسم النفط العراقي، أي كانت هناك محاولات ناجحة".
ويستطرد: "واليوم إذا ما أتى رجل موال لإيران بشكل واضح وصريح فاعلموا أن هذه الأمور سوف ترجع بشدة، وسيكون هناك ظهور قوي للنفوذ الإيراني داخل الساحة العراقية ويتزايد حتى تنعدم الهوية العراقية وتنعدم الوطنية والليبرالية والمدنية ونصبح حكومة ذات طابع ديني ولائي لإيران".
كما قال مستدركا: "ولكن الشأن العراقي يراهن على نقطتين لا ثالث لهما: أولهما ما يسفر من تحركات عن زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر الزعيم الديني الذي يرفض التعامل مع إيران وأمريكا ويحب وطنه ويحاول أن يجعل شيئا من الإصلاحات لصالح هذا الوطن فلا يعتقد العراقيين أن مقتدى الصدر سيبقى مكتوف الأيدي طيلة الأربع السنوات المقبلة التي ممكن أن تتشكل فيها حكومة موالية، والنقطة الثانية هي أن واشنطن قد تتدخل بطريقة أو أخرى وتفرض نفوذها حتى من خلال المعارضة إذا استخدمت حلفائها لا بد أن تحدث معادلة تخلق توازنا وإلا فإن الموضوع ذاهب إلى الهاوية".
كما حدد خبراء سياسيون وعسكريون لوكالة ستيب الإخبارية ستة سيناريوهات محتملة للمشهد السياسي بين بغداد وواشنطن في ظل صعود الفصائل المسلحة إلى البرلمان.
السيناريو الأول: التهدئة الحذرة وهو الأرجح في المدى القريب، فقد تنجح الحكومة المقبلة في امتصاص الضغوط الأمريكية عبر تقديم ضمانات محدودة، مثل الحد من مشاركة بعض الفصائل المصنّفة أمريكياً في الوزارات السيادية. وهذا السيناريو يبقي الوضع تحت السيطرة لكنه لا يعالج جذور الأزمة.
السيناريو الثاني: الحكومة المقيدة داخلياً، فقد تتشكل حكومة جديدة لكنها تصبح خاضعة لضغوط متناقضة: الفصائل تطلب تعزيز نفوذها داخل مؤسسات الدولة وواشنطن تضغط لاستبعادها أو الحد من قوتها، ما يجعل الحكومة عاجزة عن اتخاذ قرارات كبرى
أما السيناريو الثالث: صدام سياسي مع واشنطن، وذلك بتجاوز الفصائل الخطوط الأمريكية الحمراء وفرض واشنطن عقوبات على العراق.
السيناريو الرابع: مواجهة أمنية غير مباشرة، يزداد الضغط الأمريكي على الفصائل عبر العقوبات والعمليات الاستخباراتية، فترد الفصائل بتصعيد محدود، كاستهداف قواعد أو مصالح أمريكية.
السيناريو الخامس: عزل الحكومة عراقياً ودولياً، وذلك اذا تحدّت الحكومة الضغوط الأمريكية وسمحت للفصائل المصنّفة إرهابية بالمشاركة في الوزارات السيادية.
أما السيناريو السادس، فيتمثل بالقطيعة الكبرى، وهو السيناريو الأكثر خطورة والأقل احتمالاً، ويحدث إذا تشكّلت حكومة موالية بالكامل للفصائل ورفعت شعار إخراج القوات الأمريكية فوراً.
ستيب: سامية لاوند
