¶ عيد نوروز وسبب التسمية
بالنسبة للشعب الكوردي، عيد نوروز له معاني خاصة، يُعد نقطة تحول في حياته من جهة؛ إذ يمثل نوروز رسالة الحياة والأمل، ويعني لهم ذكرى قومية ليوم تحررهم من الظلم والعبودية، حتى وإن كان ذلك قد يكون من خلال ملحمة خرافية شعبية أو قد تكون بالفعل حقيقية (قصة كاوا الحداد)، ومن جهةٍ أخرى يرمز إلى قدوم فصل الربيع وانبعاث الطبيعة بنهارها الطويل المشمس.
https://video.stepvideograph.net/wp-content/uploads/2021/03/نيروز.mp4
وتعود كلمة نوروز إلى مقطعين: الأول "نو" ويعني الجديد، والثاني "روز"، ويعني بالكوردية "يوم" وبالفارسية "حياة"، ليصبح المعنى بذلك "يوم جديد" أو "حياة جديدة".
ويُقال أيضاً عن أصل مفهوم نوروز، إنَّ الكلمة في الأصل هي كلمة سومرية ومشتقة من كلمة (نمرود)، التي تمَّ تغييرها شيئاً فشيئاً، حيث حُذِفَ منها حرف "م" واستُبدِلَ حرف "د" بحرف "ذ"، وتحول نمرود إلى "نيروز / نوروز / نو روج" و "روج" أيضاً تعني "روز".
وبحسب ثقافة كورد إيران، نوروز مقتبس من اسم جبل "نوكروج"، الذي يقع بين مدينتين كورديتين في كوردستان إيران، و"نوكروج" مؤلفة من "نوك" تعني جديد والقمة، و" روج- roç" في اللغة البهلوية هي نفسها "roj"، ثم أُزِيلَ حرف "k" وبقيت كلمة "Nûroç"، نظرًا لتأثر اللغة الإيرانية باللغتين الإسلامية والعربية، حرف "ç / j" أيضًا تمَّ تغييره وأصبح "Nûroç" أو "Nûroz".
ووفقًا لذاك الرأي فإن كلمة "نوروز" هي في الأصل كوردية، ولا يزال ذاك الجبل موجودًا ويذهب الناس إلى هناك في يوم نوروز للرحلات وأداء طقوس هذا العيد.
¶ ليلة إشعال النيران
للنار مكانة هامّة في تاريخ الشعوب الآرية والشرقية عموماً والشعب الكوردي بشكلٍّ خاص.
[caption id="attachment_355822" align="alignnone" width="720"]

صورة متداولة لشبّان كورد بالزي الكوردي التقليدي وهم يشعلون النيران عشية عيد نوروز[/caption]
يبقى رمز النار في الحكاية/ الأسطورة النوروزية والتي تستمد معانيها ودلالاتها من الديانات الكوردية القديمة، من العناصر المقدسة المكونة للطبيعة والكون. النار هي رمز الخلاص والحرية ومصدر تنوير الدروب للأجيال اللاحقة لتسير على الدروب التي رسمها أولئك الأسلاف للوصول إلى نوروزهم (يومهم الجديد).
لذلك فإنّ سبب إشعال النار في قمم التلال والجبال عشية نوروز هو لإعلام العالم بخبر النصر والتحرر الذي حققهما شعب كوردستان، مُعلنةً هزيمة الظلام وانبثاق فجر الحرية؛ لذلك يحرص الكورد على إشعال النار بُعيد غياب شمس يوم 20 آذار/مارس.
[caption id="attachment_355823" align="alignnone" width="720"]

صورة متداولة تظهر مئات الكورد وهم يصعدون الجبل لإشعال نيران ليلة عيد نوروز[/caption]
¶ أساطير حول عيد نوروز
هناك العديد من الحكايات والأقوال والأساطير التي تحدثت عن نوروز، أحدها يقول إنَّ نوروز هو يوم هبوط النبي آدم عليه السلام على سطح الأرض، وأخرى تقول إنَّ نار نوروز هي استحضار للنار التي أراد الكفار إحراق سيدنا ابراهيم بها، ولأن النار لم تحرقه لذا أعطى الناس أهمية وقيمة للنار.
ومن الأساطير الأخرى التي تتحدث عن عيد نوروز، أنه كان هناك ملك فارسي اسمه جمشيد، له سلطان واسع على الجن والإنس، ونقل إلى كافة ممالك حكمه على سرير ذهبي في يوم حلول الشمس في برج الحمل، لذلك تمّ تقديس ذلك اليوم.
وثمّة رواية فارسية أخرى تقول إنَّ الملك الفارسي جمشيد، الذي كان يُدعى باسم (جم)، كان يسير في العالم فوصل إلى أذربيجان وأمر بنصب عرش له، وعندما جلس عليه أشرقت الشمس وسطع نورها على تاجه وعرشه، فابتهج الناس وقالوا: "إنّه يومٌ جديد".
ولعلَّ الأسطورة الأبرز هي أسطورة كاوا الحداد، التي يعرفها الكورد جميعاً صغاراً وكباراً، ويتحدثون عنها قبل أيّام العيد ويروونها لأطفالهم قبل أن يناموا.
وكاوا الحداد هو البطل الكوردي الأسطوري الذي أنهى ظلماً تعرَّض له الكورد على يد ملك فارسي يُدعى "أزديهاك"، وتقول الأسطورة إنَّ أزديهاك كان يأكل أدمغة الأطفال الكورد بسبب مرضٍ أصابه، فقدم له الحداد دماغ خروف بدلاً من دماغ ابنته، ما تسبَّب له بلعنة أنبتت أفاعي في كتفيه، وسار باقي الكورد على نهجه وقدَّموا أدمغة خراف بدلاً من أدمغة أبنائهم الذين هرَّبوهم إلى كاوا في الجبال.
ومع مرور سنوات طويلة شكَّل كاوا جيشاً جرَّاراً من الأطفال، تمكَّن من القضاء على الملك الظالم، وأوصل رسالة النصر عبر البلاد عن طريق إشعال النيران على رؤوس الجبال، ولهذا يقومون بإشعال النيران في كل مكان عشية الاحتفال بعيد نوروز.
¶ الزي الكوردي
الزي الكوردي هو هوية عكستها طبيعة الجبال والتلال، التي لا بدَّ أن يكون لها ملابسها المختلفة والمستوحاة منها، وهذا ما نراه في زي الرجال والنساء الكورد، وظلَّ طوال القرون والعقود السالفة ثابتاً من حيث التصميم والألوان رغم التطور الكبير الذي حصل بمحيطه، ولابدَّ لكل امرأة ورجل أن يمتلك ولو زياً كوردياً واحداً لأنه يرتبط بالمناسبات وخاصةً القومية منها كـ عيد نوروز.
[caption id="attachment_355825" align="alignnone" width="700"]

صورة متداولة تظهر مجموعة من الأطفال الكورد وهم يرتدون الزي الكوردي القومي[/caption]
ويمكن تقسيم الزي الذي يلبسه الرجل الكوردي إلى نوعين: الأول ويطلق عليه "بشم وبركيز" وهو منتشر بشكل واسع بين الكورد في كل من تركيا وسوريا وأجزاء من العراق، ويتألف من قطعتين من اللون ذاته، الجاكيت والسروال، ويكونان فضفاضين.
[caption id="attachment_355826" align="alignnone" width="736"]

صورة متداولة تظهر مجموعة من الرجال الكورد بالزي الكوردي القومي[/caption]
في حين يتميز زي المرأة الكوردية بألوانها الصارخة والزاهية، والتي تتألف في هيئتها الاعتيادية من دشداشة طويلة تغطي في الغالب أخمص القدمين، وذات كمين طويلين يرتبطان بذيلين مخروطيين طويلين أيضاً يسميان في اللغة الكوردية بـ"فقيانة"، مع وضع اكسسورات ولا سيّما على منطقة الخصر يسمى "كمبر".
[caption id="attachment_355828" align="alignnone" width="473"]

صورة متداولة تظهر مجموعة من النساء الكورد وهم يرتدون الزي الكوردي التقليدي[/caption]
¶ كيف يحتفل كورد إقليم كوردستان (Başûrê Kurdistanê) بالعيد؟
يقول الباحث التاريخي الكوردي، مهدي كاكەيي، ( أحد مواطني إقليم كوردستان العراق) لوكالة ستيب الإخبارية: "مع إطلالة فصل الربيع، تبدأ التحضيرات بشكل كبير في إقليم كوردستان لاستقبال عيد نوروز ورأس السنة الكوردية الجديدة. تنشغل الأسواق بصورة عامّة بهذه المناسبة، إذ تزدهر حركتها حيث تعجّ المتاجر المتخصصة ببيع الأقمشة بالزبائن على مدار الساعة في هذه الفترة من السنة".
[caption id="attachment_355862" align="alignnone" width="444"]

صورة للكاتب والباحث التاريخي الكوردي مهدي كاکەيي[/caption]
يستثمر الكورد عيد نوروز عبر الاهتمام بالزيّ الكوردي التقليدي، وبالأخصّ عند النساء اللواتي يستعدنّ له قبل حلوله بِأشهر.
كما يستقبل الكورد عيد نوروز بتنظيف منازلهم، وشراء أثاث جديد، وإصلاح وتنظيف الأجهزة وسائر لوازم المنزل، وذلك إيماناً منهم بأن يجلب البركة إلى منازلهم، ويجلب السعادة لهم في العام الجديد.
إذا فَقَدَت إحدى الأُسر خلال العام المنصرم أحداً من أفرادها، تبقى هذه الأسرة في البيت ويزورها الأقارب والجيران والأصدقاء والمعارف لِتقديم العزاء مجدداً. ومن الطقوس أيضاً يتمّ صبغ بيض الدجاج بألوان زاهية جميلة لأنهم يعتقدون أن البيضة تُشبه الكرة الأرضية وبِصبغها يأملون أن تكون أرضهم خصبة، بحسب كاكەيي.
فييوم الحادي والعشرين ومنذ الصباح يتغلغل القرويون عبر الأزقة والشوارع إلى أماكن التجمع والاحتفال بجانب الأنهار والسواقي وعلى سفوح التلال، حاملين طعام النهار وما طاب من أكل وشراب وكلام، أما في المدن الكبيرة فقد اتخذت الناس أمكنة محددة يجتمعون فيها بعشرات بل بمئات الألوف حيث العروض الممتعة من الرقص والأغاني والأناشيد الكوردية الشجية والدبكة ذات الحركات المتناسقة ويدوم ذلك حتى مغيب شمس العيد.
يسود اعتقاد لدى الكورد منذ آلاف السنين بأن أرواح أقاربهم وأحبائهم الموتى، تزورهم في أيام نوروز المباركة، لذا يحرصون على تزيين مائدة نوروز بكل ما لذّ وطاب مكونة من سبع أنواع من المأكولات التي تبدأ أسماؤها بحرف السين ليسعدوا الأرواح الزائرة، وتسمى بـ"هَفت سين" أي (حروف السين السبعة)، مثل التفاح (سێو)، والخضراوات (سَوْزه)، والثوم (سير)، والخلّ (سِركه)، والسُمّاق (سُماق) و(سمنو) وهي حلوى كوردية تقليدية. كما تعدّ لهذه المناسبة وجبات طعام تقليدية شهية، مثل الدولمة، برياني، تكة وكباب.
¶ الفرق بين ماضي وحاضر نوروز كورد إقليم كوردستان
قبل اتفاقية 21 آذار، التي أبرمتها قيادة الثورة الكوردستانية مع الحكومة العراقية في 11 آذار 1970 م، كانت عطلة نوروز يوم واحد، وكانت تلك العطلة تُسمّيها الحكومة العراقية بـ"عيد الشجرة"؛ وذلك للعمل على إفراغ الذاكرة الكوردية من العيد القومي الكوردي ودلالاته التحررية.
في تلك الفترة كانت احتفالات نوروز غير رسمية. بعد الاتفاقية المذكورة تمّ تصحيح اسم العيد إلى عيد نوروز، إلا أن العطلة بقيت ليوم واحد فقط، ولكن بعد الانتفاضة الكوردستانية واستلام الكورد الحُكم في إقليم كوردستان، أصبحت الاحتفالات بهذا العيد تمتد لثلاثة أيام التي تكون عطلة رسمية وتُقام احتفالات رسمية وشعبية كبرى في مختلف مناطق الإقليم.
¶ كيف يحتفل كورد سوريا (Rojavayê Kurdistanê) بعيد نوروز؟
يحتفل كورد سوريا بعيد نوروز، من خلال إشعال النيران عشية العيد فوق التلال أو تكوين تل من إطار السيارات وإشعالها، وعقد حلقات دبكة حولها على أنغام الأغاني القومية الكوردية الخاصة بهذا العيد مرتدين زيهم التقليدي المشهور، ويقتصر العيد لديهم على يومٍ واحدٍ فقط يجتمع الناس في مناطق ذات طبيعة خضراء، غالباً ما تتولى الأحزاب الكوردية السورية مهمة تدريب فرق على رقصات فلكلورية وأغاني قومية، بالإضافة إلى إقامة مسرحيات تعبر عن حياة الكورد في سوريا، بعضها تراجيدية تنقل معاناتهم في ظل النظام البعثي وبعضها ساخرة وكوميدية.
يقول المؤرخ الكوردي السوري، بهجت أحمد، لوكالة "ستيب الإخبارية" إنَّ: "الكورد في المناطق ذات الغالبية الكوردية كانوا يخرجون إلى الطبيعة بزييهم القومي، حيث كانت الفرق الفلكلورية تقدم عروضاً خاصة بالعيد، أما مدن الداخل السوري التي يتواجد فيها الكورد ولا سيّما دمشق وحلب كانت الضغوطات أكبر وهامش الحرية المسموح به أقل، حيث اقتصرت على العروض الفلكلورية ولا سيّما في مناطق حي تشرين وزورآفا وركن الدين وضاحية الأسد في دمشق العاصمة، والأشرفية والشيخ مقصود في حلب، وكان الأمن السوري ينتشر على مداخل هذه الأحياء عيشة الاحتفال، ويتمّ في الكثير من الأحيان حالات الاعتقال والتضييق على المواطنين الكورد".
[caption id="attachment_355861" align="alignnone" width="1080"]

صورة للمؤرح والباحث الكوردي السوري بهجت أحمد[/caption]
ويتابع: "بعد اندلاع الثورة السورية 2011، احتفل الإعلام السوري من على قناه الدنيا بعيد النوروز تحت مُسمى عيد الربيع، أما في المدن الكوردية التي تحررت من القبضة الأمنية مع اندلاع الثورة، أصبحت الاحتفالات تأخذ طابعاً جماهيرياً حتى في قلب المدن الكوردية".
¶ عيد الأم السوري مع نوروز الكوردي
كان العيد ممنوعاً في سوريا حتى عام 1988، يقول المؤرخ الكوردي بهجت أحمد: "حرصت الأنظمة المتعاقبة في حكم سوريا على طمس هوية الشعب الكوردي وكان التضييق في أوجه مع تسلم حزب البعث السلطة، حيث اقتصر الاحتفال بعيد نوروز في القرى النائية خوفاً من بطش الأجهزة الأمنية، ولكن في عام 1986 بعد استشهاد الشاب، سليمان محمد أمين آدي، برصاص الحرس الجمهوري أثناء توجهه مع عدد من الشبّان الكورد إلى القصر الجمهوري للاحتجاج بعد منعهم من الاحتفال بالعيد، أصدر الرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد، المرسوم رقم (104) اعتبر فيه يوم 21 آذار عطلة رسمية تحت مُسمى (عيد الأم)، علماً أن سوريا كانت تحتفل بعيد الأم يوم 13 أيار من كل عام".
[caption id="attachment_355853" align="alignnone" width="180"]
net/nfiles/2021/03/received_349087399701475.jpeg" alt="عيد نوروز" width="180" height="226" /> صورة متداولة للشاب الكوردي سليمان محمد أمين آدي الذي قُتِلَ على يد النظام السوري سنة 1986[/caption]
[caption id="attachment_355857" align="alignnone" width="719"]
طابع الاحتفال بعيد الأم في سوريا في يوم 13 أيار وتمّ تغييره لـ21 آذار[/caption]
صورة متداولة للمظاهرة الاحتجاجية التي قام بها شبّان كورد عام 1986 أمام القصر الجمهوري بدمشق[/caption]